مما تُستجلبُ به المحبة وتُدرأُ به العداوة وتُوطّد به العلاقات الإنسانية تبادل الهدايا مهما كانت بسيطة، إذ قيمة الهدية في دلالتها المعنوية لا في قيمتها المادية، وهذا التوجيه لم يغفل عنه سيد البشر صلى الله عليه وسلم وهو القائل " تهادوا تحابّوا " وفي رواية أخرى " تهادوا؛ فإن الهدية تُذهِب وحر الصدر". وخصّ النبي صلى الله عليه وسلم في وراية هذا التوجيه بالنساء، ولعلّ في الأمر تنبيهًا لأهمية الهدية بالنسبة للمرأة، لما عرف عنها من رهافة الحسّ ورقّة الشعور، ومثل هذه اللمسات الرقيقة تأسر أفئدة النساء وتأخذ بمجامع قلوبهن، ولا ينبئك مثل خبير.. عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا نساء المؤمنين، تهادوا ولو فِرْسِنَ شاةٍ، فإنه يُنبتُ المودّة، ويُذهبُ الضغائن " قال الإمام ابن حجر – رحمه الله – : " في الحديث الحضّ على التهادي ولو باليسير لأنّ الكثير قد لا يتيسر كلّ وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرًا، وفيه استحباب المودة وإسقاط الكلفة " وذُكر " أن المنصور قال يومًا للربيع بن يونس: سَلْ حاجتك، قال: حاجتي أن تُحبّ الفضل ابني. فقال له: ويحكَ إنّ للمحبّة أسبابًا، فقال له: قد أمكنكَ الله من إيقاع سببها، قال: وما ذاك؟ قال: تُنْعم عليه، فإنّك إذا أنعمت عليه.. أحبّك، وإذا أحبّك.. أحببته " وقال عبد الملك بن رفاعة الفهمي : " الهدية هي السّحر الظاهر " قال الكُرَيزِيّ: إنّ الهدية حلوةٌ… كالسحر تختلبُ القلوبَا تُدْني البعيد من الهوى… حتى تُصيّرهُ قريبا وتُعيدُ مُضطَغِنَ العدا….وة بعد بُغضته حبيبَا تنفي السّخيمة من ذوي ال…. شّحْنَا وتمتحقُ الذّنوبا ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفض قبول الهدية فقال: "أجيبوا الدّاعي، ولا تردّوا الهدية " قال أبو حاتم رضي الله عنه: " زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين، فالواجب على المرء إذا أُهديتْ إليه هدية أن يقبلها ولا يردّها، ثم يثيبُ عليها إذا قدر ويشكره عنها، وإنّي لأستحبّ للنّاس استعمال بعث الهدايا إلى الإخوان بينهم، إذ الهدية تُورِثُ المحبة، وتُذهب الضّغينة" وقال الأبْرَش: هدايَا النّاسِ بعضِهِمُ لبعضٍ… تُولِّدُ في قلوبهمُ الوصالا وتزرع في الضمير هوًى ووُدًّا… وتكسوكَ المهابةَ والجلالاَ مصائدُ للقلوبِ بغير لغبٍ… وتمنحكَ المحبةَ والجمالا ومما ذكره البُستي في كتابه روضة العقلاء أن إسماعيل بن أبان قال: بلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه، فبعث إليه بكُسْوة فلمّا كان بعد ذلك مدحه الأعمش، فقيل له: كيف تَذُمُّه ثم تمدحه؟ قال: إنّ خيثَمة حدثني عن عبد الله قال: " إنّ القلوب جُبلتْ على حبِّ مَنْ أحسنَ إليها، وبُغض من أساء إليها" قال أبو حاتم رضي الله عنه: " البشر مجبولون على محبة الإحسان وكراهية الأذى، واتخاذ المحسن إليهم حبيبًا، واتخاذ المسيء إليهم عدوًّا. فالعاقل يستعمل مع أهل زمانه لزوم بعث الهدايا بما قَدَر عليه، لاستجلاب محبتهم إياه، ويُفارق تركه مخافة بُغضهم ". "الرضاب المعسول بالحب عند الرسول صلى الله عليه وسلم".