كأولياء أمور بناتنا وأبنائنا الأعزاء، و باعتبارنا أصحاب رسالة شريفة ورفيعة في تقديم ما يناسب أعمارهم، ومراحل تطور بنياتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية، من نصائح وإرشادات، واقتراحات قد تعود عليهم بالخير والسداد، نجد أنفسنا في أحايين كثيرة شبه عاجزين عن مساعدتهم على اجتياز مطبات الحياة المدرسية واليومية بالشكل المطلوب، في ظل ثورة تكنولوجية رهيبة وانتشار غير محدود لوسائل الاتصال الحديثة، من قبيل الهواتف الذكية والألواح والحواسيب المحمولة .. مما يشوش على تلميذاتنا وتلاميذنا، ويذهب بهم بعيدا عن الاهتمام والعناية بمضامين مقرراتهم المدرسية. وقد لاحظنا في أكثر من مناسبة التراجع المخيف لمستوى تحصيلهم التعليمي والتربوي، وفشلهم في الحفاظ على قدراتهم في الكتابة والقراءة والفهم والتحليل والمناقشة والتركيب.. بسبب الأوقات الطويلة التي يقضونها مع هذه الأدوات ذات الإغراء والتأثير، خاصة وأنها تمدهم بالمعلومات في مختلف المجالات بالصوت والصورة عالية الجودة. إننا لا نعلق فشلنا الواضح على مشجب الأجهزة التكنولوجية الحديثة، فهذه الأخيرة أضحت شئنا أم أبينا جزءً لا يتجزأ من حياتنا الخاصة والمهنية، و جسرا متينا في سبيل التنمية بمعناها الشامل، لكننا وفي الآن عينه ندق ناقوس الخطر، وندعو إلى حتمية إعادة النظر في طرق وغايات استعمال هذه المستلزمات التواصلية بقدر كبير من الخبرة والحرفية، فكم من التلاميذ الذي كانوا قمة في النجاح المدرسي، ونموذجا في الانضباط والإحساس بالمسؤولية، أصبحوا ضحايا الإدمان الإلكتروني بمساوئه الحادة. لذلك فنحن في أمس الحاجة اليوم قبل أي وقت مضى، إلى فتح الأبواب أمام الخبراء ورجال البيداغوجية و التربية والمعرفة، في المؤسسات التعليمية والمواقع الإعلامية لتسليط الضوء على هذا الموضوع بالغ الحساسية، وأن تجتهد الأسر دون كلل أو ملل، بمعية الأطر التعليمية في اجتراح حلول ملائمة، تعيد أبناءنا وبناتنا إلى عالم الكتب الجادة العربية والأجنبية، للرفع من منسوب المعرفة الراقية لديهم، والثقافة السليمة والوعي النقدي، والذوق الفني الرفيع. ولعل إنشاء النوادي الثقافية بالمعنى العميق للكلمة وليس بالمعنى السطحي الاستهلاكي، في المدارس والمعاهد والمؤسسات والجمعيات، كفيل بجعلنا نضع خطواتنا نحو الأمام. إن مشتل القراءة والكتابة أضحى مطلبا استراتيجيا في العملية التعليمية – التعلمية. ما تتضمنه مؤلفاتنا المدرسية من نصوص إبداعية و حجاجية رغم أهميتها، لا يمكن لوحدها أن تزرع محبة القراءة، وشغف الإنتاجات الشعرية والروائية والمسرحية والقصصية والعلمية والمعرفية بالدلالة العامة. وفي الأثناء، لا بد مما ليس منه بد: تكوين لجان متخصصة ذات خبرة كبيرة في عالم الفكر والتربية داخل المؤسسات التربوية وخارجها، تتجسد وظيفتها في تسطير برامج سنوية مدققة وملزمة، تشجع بذكاء وبعد نظر على استنبات مسلك القراءة، في المؤسسات الثقافية الخاصة والرسمية، والإذاعات والفضائيات والمواقع الإلكترونية، على أساس أن تبدي المصالح ذات الصلة بالممارسة الثقافية، رغبتها الفعلية في دعم مادي ولوجستي للأنشطة القرائية، وتخصص جوائز ومحفزات محترمة، لمن أبان عن علو كعبه من بناتنا وأبنائنا صانعي الغد، وبمثل هذا الإجراء يمكن أن نبلور، إلى جانب إجراءات مماثلة، قفزة مفصلية في دنيا القراءة، مع التعود على الاستعمال المدروس والمفيد للأجهزة التكنولوجية التواصلية.