بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام: قال لي صاحبي: إني أشعر بوحشة نحو الناس.. ورغبة في العزلة.. قلت له أوجدت ذلك حقا؟ قال: إي والله.. قلت له: هنيئا لك أن وجدت ذلك.. فقد قال الامام العارف بالله.. ابن عطاء الله السكندري: (متى أوحشك من خلقه.. فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به). متى نفر قلبك من الاستئناس من خلقه.. فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به لتصير له وحده.. ومتى فتح لك هذا الباب.. صيرك من الأحباب.. وآنسك بالخطاب.. فاترك الأغيار.. في مرضاة العزيز الغفار.. عَزَلك عن الناس.. ليصب عليك نفحات الاستئناس.. فإن الهِبات تأنف الزحام.. وإن العطايا.. تميل إلى حيث يكون البعد عن أعين البرايا.. وإن تاج اقرأ.. تُوِّجَهُ سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو في عزلة الغار.. وإن التحقق بالمعية.. فاضت به النفس الزكية.. في غار التأنيس (لا تحزن إن الله معنا) ثم قلت له: وماذا تجني من مخالطة الخلق؟ هل تجد إلا حقدا مرديا.. وبغضا مُشقيا.. وتربصا مفسدا.. وتقَوُّلات.. وتخرصات.. وأذى.. ومضايقات.. وثقلا.. ولربما وجدت ممن جمعتك بهم بطن واحدة.. من الأذى والدسائس ما لا يعلمه إلا الله.. ثم قلت له: عليك أن تستثمر هذه المنة.. منة الاستيحاش من الخلق.. لتزيد من منسوبك إقبالك على الله.. حتى تكون العزلة مثمرة.. وحكمة ذلك.. تصفية البواطن من الشواغل والشواغب.. لتتهيأ لقبول ما تتلقاه من الأسرار والمواهب.. فإن كثرة المخالطة تقتل الذائقة الإيمانية.. وتفسد الحس المعرفي.. ثم عليك بالعلم.. ومخالطة الصالحين من السلف.. عن طريق مطالعة سيرهم وأحوالهم.. وإن دعتك نفسك يوما إلى المخالطة.. فخالط الصالحين.. ودع الرّعاع.. ودع الجُهّال والأنذال.. فإن في مخالطتهم مرض قلبك.. وتكدر بالك.. وتقلب حالك.. وإياك إياك أن تحزن على فوات مخالطتك للناس.. فليس في مخالطتهم نفع يُذكر.. إلا أن يكون عالما يدلك على الله.. أو صالحا ينهضك حاله للسير إلى الله.. أو صديقا مخلصا.. يحفظ سرك.. ويخفف همك.. قال لي: وهل لا يزال هؤلاء؟ قلت نعم.. ولكنهم في الناس أندر من الغراب الأعصم.. قال لي: فإن لم أجد؟ قلت: فعليك بكتاب الله.. ففيه شفاء أمراضك.. وقضاء أغراضك.. وصون أعراضك.. وزكاء نفسك.. وهدوء بالك.. وراحة أعصابك.. ومتى ما تم لك الوصل.. وتحققت لك المعية.. فياسعدك ويافرحك ويابشراك.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.