بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام: الإمام البخاري.. صاحب الجامع الصحيح.. أشهر من نار على علم.. إمام أغرّ.. أدرك نهاية القرون الأولى.. التي هي قرون الخيرية.. بشهادة سيد البرية.. صلى الله عليه وسلم.. أدرك معها الفضل والعدل ومحض الإيمان.. كان رحمه الله سيدا وسندا في علم الحديث.. ووضع الشروط الدقيقة التي ميزت الصحيح من العليل.. وقطعت الطريق على كل وضاع ودخيل..رآه أحد الصالحين في زمانه في المنام.. يسير خلف خير الأنام.. يضع قدمه موضع قدم النبي صلى الله عليه وسلم.. ولا غرو ولا عجب.. فالبخاري رحمه الله خير من حمل راية السنة في القرن الثالث.. وحال بينها وبين الزائغين والمارقين..طاف رحمه الله بالضواحي والنواحي.. ورحل إلى الأقطار والأمصار.. مثل الحجاز والعراق ومصر والشام.. حتى شبع وروي وملأ وِطابه.. وأحسنَ خِطابه.. وقد أعطي رحمه الله قوة العارضة.. وسرعة الحافظة.. فلا يرى ولا يسمع شيئا إلا حفظه ووعاه.. غاص في العلوم.. وبين الموصول والمعلوم.. وأدرك قلب الأصول.. حتى بهر بذلك العقول.. فأدركوا فضله.. وعرفوا قدره.. حتى قال له الإمام مسلم رحمه الله.. دعني أقبل رجليك يا أستاذ الحديث وطبيب عليله.. وأما شيوخه.. فقد عقد لهم الحافظ ابن حجر فصلا في (هدي الساري) وعددهم ألف وثمانون.. وأما الذين سمعوا منه الصحيح فيبلغون إلى تسعين ألفا.. أعظم مؤلفاته بل أعظم التراث الإسلامي.. كتاب الجامع الصحيح.. الذي مكث في تسويده وتبويبه ست عشرة سنة.. قال عنه البخاري رحمه الله: (ما وضعت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى وارتحلت وصليت ركعتين وتيقنت صحته.. وقد جعلت ذلك حجة بيني وبين الله..). ابتدأ تصنيفه بمكة المكرمة.. ثم عرضه على بعض شيوخه من فحول العلماء.. كالامام أحمد.. ويحيى بن معين.. وعلي بن المديني.. فاستحسنوه وأثنوا على مجهوده ثناء عظيما.. وانتفع الناس به شرقا وغربا.. لإخلاص نيته.. واعتبار صحته.. ولما كان من سنة الله في العباقرة..وأهل الفضل والخير أن يكثر حسادهم وأعداؤهم.. تعرض رحمه الله للمضايقات.. فخرج إلى قرية قريبة من سمرقند.. ونزل ضيفا على غالب بن جبريل.. وهو أحد أقاربه.. يقول غالب بن جبريل: سمعت البخاري ليلة وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه (اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك) فأقام أياما ثم مرض ومات رحمه الله.. وأعلى مقامه.. واليوم اشتد السٌّعار.. وضاع الشعار.. وزال الدٍّثار.. فخرج اللصوص.. يحاربون صحيح النصوص.. قد لبسوا ثياب الحقد.. وامتطوا مركب الصّد..تاهت منهم البوصلة.. وفرغت لديهم الحوصلة.. وضاقت بهم دروب النصح.. فأتوا على البخاري بنية المسح.. فكان أن عادوا بالفضح.. أرادوا النسخ.. فباؤوا بالمسخ.. وشتان مابين نضارة أهل الحديث.. وقترة لصوص العصر الحديث.. ولكل وجهة هو موليها.. والله ناصر السنة ومتوليها.. فدونكم الميدان فواصلوا الكفاح.. وكذا النباح.. واعملوا على مكانتكم.. فقد ضاعت مكانتكم.. وماكانت لكم يوما مكانة.. فصحيح البخاري يدرس في أرجاء الدنيا.. ولشانئيه المكانة الدنيا.. وصحيح البخاري يختم بين يدي الملوك.. ولا عزاء لأي صعلوك.. والرٍّهان على فصل المغاربة عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم رهان خاسر.. وصاحبه بائد بائر حاسر.. وعلى الباغي تدور الدوائر.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.