خصص الثامن من مارس في كل سنة للاحتفال بالمرأة، وترمز هذه الإحتفالية إلى احترام المرأة وحبها وتقديرها، كما تهدف إلى التذكير بكفاحها وانجازاتها مع الدعوة إلى الاهتمام بقضاياها. ويروى فيما يروى أن الدافع لهذا الاحتفال راجع لتاريخ قديم نسبيا، ففي سنة 1856 تظاهرت آلاف النساء في نيويورك احتجاجا على ظروف العمل اللاإنسانية التي يعشنها، لتشكل هذه التظاهرة دافعا رئيسا للحصول على مزيد من الحقوق والمطالب مع الدعوة للمساواة في ظل اللامساواة هذه الأخيرة التي زعم فيها جون جاك روسو في عقده الاجتماعي أنه "لابد أن هناك نوعين من اللامساواة أو التفاوت بين البشر، أحدهما طبيعي، ومن ثم فهو خارج عن إرادتنا، والآخر أخلاقي أو سياسي لأنه يعول على الاختيار البشري… ولذا فإن الشكلين الأخلاقي والسياسي للامساواة اللذين يسودان شتى أرجاء العالم لايجوز تبريرهما مطلقا بالإشارة إلى أي من الخصال الطبيعية"[1] ، وإذا كان ذلك كذلك فنحن مع الدعوة في هذا اليوم للعدل والعدالة الاجتماعية والكرامة في احترام كامل للفروقات الفردية والاستعدادات الفطرية التي خلق الله عليها كلا من الرجل والمرأة، وإذا يممت بعض النساء وجوههن شطر السراب ، فإن إيمان الكثيرات خالص بأن صنع المعجزات الاجتماعية وتغيير الأفكار والاتجاهات ممكن بتوطين النفس على مرجعيتها الربانية الحاكمة وأن الاهتداء بأسباب الرشد والاستمساك بالعلم والعمل المثمر و بمبادئ الرسالة المحمدية والأخلاق المصطفاوية نفسيا وفكريا هي الباعث على الحياة الحقيقية البعيدة عن المساقط والآفات والتي تحظى فيها المرأة صدقا بالمكانة وعلو الهمة لأنها "لا تقف دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلا منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والإبتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية"[2] إذ مع هذا التردي الأخلاقي وهذا التنافس المحموم للمجاهرة بالمنكرات وكشف العورات باسم الإبداع والفرادة (وماهو إلا فقر في التصور والممارسة وغياب للمقصد ) والذي أصاب للأسف الرجال والنساء وتعدى الشباب إلى الأطفال وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يصيب الأمة في المقتل ويشكل معضلة بنيوية أخلاقية خاصة والمرأة في عمق هذا التحول الاجتماعي والقيمي الذي تنتكس فيه الهوية والفطرة السوية وما الفطرة إلا عماد الاستقامة وجوهر الروح. "وإذا كان قلب القيم إفسادا للفطرة، فإن سلب الفطرة نهاية إفسادها…إذ أن قلب القيم هو فصل لبعض القيم عن الفطرة واستبدال أضدادها مكانها، بينما سلب الفطرة هو اجتثاثها واستئصالها"[3] ولأن الأرواح الشفافة والعقول النيرة تدرك ما وراء الأحداث من إشارات فإن وضعية المرأة اليوم في غنى عن العناوين البراقة و الوعود الزائفة والاحتفالات العابرة التي تتغنى بتشييئها وتتاجر بمعاناتها، بل تحتاج إلى مناولة مفصلية بناءة وشاملة، كما تتوق لرؤية متكاملة ولمقاربة وتجديد يحترم وقوف المرأة على أهم ثغر من ثغور المرابطة ، وبوعي عميق لا يؤمن بخرافة أن البذر ممكن دون استئصال الأدغال. ولعمري إذا احتفلت نساء العالمين بهذا اليوم مرة في السنة إن متاعهن لقليل لعاعة، وحسب المؤمنات من المحبة والإحسان والفخر قول من أوتي جوامع الكلم :" استوصوا بالنساء خيرا"[4] إذ يشرح لنا تماما بأن كل يوم من أيامنا هو يوم المرأة العالمي، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد والآل. [1] العقد الاجتماعي _ جون جاك روسو _ ترجمة عادل زعيتر /ص 63. [2] علو الهمة _ محمد أحمد اسماعيل المقدم / دار الإيمان إسكندرية _ ص 9. [3] ثغور المرابطة مقاربة إئتمانية لصراعات الأمة الحالية _ طه عبد الرحمن / ص 26. [4] أخرجه البخاري و مسلم _ صحيح الجامع _ محمد ناصر الدين الألباني/ ص 960