قبل نحو عام من الآن، وفي ظروف مماثلة تقريبا (اقتراب شهر رمضان وارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية)، قامت النائبة البرلمانية الشابة من فريق التجمع الوطني للأحرار، ياسمين لمغور، بتوجيه سؤال كتابي إلى وزير الفلاحة محمد صديقي بتاريخ 14 مارس 2022، تقول فيه: "تفاجأ المواطنون والمواطنات مؤخرا، بالارتفاع الصاروخي لبعض المواد الأساسية والخضروات خاصة الطماطم، ومع حلول شهر رمضان المعظم، الذي يعرف ارتفاعا في استهلاك هاته المواد، ونظرا للظرفية الاقتصادية الحالية الصعبة، نسائلكم السيد الوزير المحترم: – عن الاجراءات التي تعتزمون اتخاذها للحد من ارتفاع أسعار المواد الأساسية خاصة الطماطم؟ – وعن خطتكم لمنع الاحتكار في المواد والمضاربة بها؟". جواب الوزير جاء مؤرخا في 15 أبريل 2022، وحرص فيه صديقي منذ الجملة الأولى على التذكير بمعطى مهم يتمثل في كون جهة سوس ماسة هي المزود الرئيسي للسوق المغربية بمادة الطماطم "في هذه الفترة"، حيث توفر لوحدها قرابة 90 في المائة من حاجات السوق الداخلية. ثم اعترف الوزير بوجود ارتفاع في أسعار الطماطم، مبررا ذلك من جهة بكثرة الوسطاء (مسؤولية كاملة للدولة)، ثم ارتفاع الطلب العالمي. وأوضح الوزير بكل صراحة أن سعر كيلوغرام الطماطم وصل إلى 1.5 أورو، مما رفع صادرات جهة سوس بنسبة 27 في المائة، ما يعني أن الكميات التي كانت تتدفق نحو الأسواق الداخلية غادرت البلاد وتركت المغاربة عرضة للغلاء. وعاد السيد الوزير في الفقرة الأخيرة من جوابه، ليشير إلى أن الوزارة "تواصلت" مع المهنيين، "للعمل على تقليل الكمية المصدرة". أي أن الحكومة بالكاد تستطيع التواصل مع منتجي ومصدري الطماطم، ليقللوا فقط من الكميات المصدرة. كأننا دولة ميليشات وآغات، لا سلطة للحكومة المركزية عليها، ولا نملك في القوانين والنصوص التنظيمية ما يسمح بشكل فوري ومباشر بوقف التصدير إلى أن يكتفي السوق الداخلي ! رابط سؤال النائبة البرلمانية في الموقع الرسمي لمجلس النواب: https://cutt.ly/X3nqmAb رابط جواب وزير الفلاحة: https://cutt.ly/U3nqIWZ ما علينا، على الأقل كانت النائبة البرلمانية الشابة ما زالت تحتفظ بحماس الحملة الانتخابية ونشوة الصعود، مصدقة أن في الأمر امتداد حقيقي للمجتمع وتمثيلية فعلية لمكوناته، كما كان الوزير في موقع لا يملك معه أن يجيب النائبة البرلمانية المنتمية لفريق رئيسه بغير الحقيقة. المهم الآن ماذا حصل بعد هذا الاعتراف والإقرار الحكوميين، والكشف عن هذا الملتمس الذي تقدمت به الوزارة بكل أدب للمهنيين؟ بعد أقل من ستة أشهر، ستنطلق احتفالية كبرى عبر المنصات والمنابر المقربة من الزعيم أخنوش (التابعة بالأحرى)، وسبب الاحتفال اقتراب المغرب من إزاحة إسبانيا من "بوديوم" الطماطم. جارتنا الشمالية تعتبر تاريخيا ثالث أكبر مصدّر لهذه المادة، بينما يحتل المغرب الرتبة الرابعة. وما حدث في شتنبر 2022 (نهاية فترة ترويج منتوجات الموسم الفلاحي السابق)، هو أن الإحصائيات التي نشرتها منصات دولية رسمية (مثل خدمة Comtrade التابعة للأمم المتحدة)، كشفت صعودا كبيرا للمغرب في مجال تصدير الطماطم، في مقابل تراجع باقي المصدرين، خاصة منهم إسبانيا. أحد الأسباب الرئيسة لهذه القفزة المغربية مقابل التراجع الإسباني، كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وانهيار صادرات كل من إسبانيا وهولندا نحو المملكة المتحدة بسبب الاضطرابات المرتبطة بإضرابات السائقين وارتفاع كلفة النقل والتي كانت تعيق وصول منتوجات دول الاتحاد الأوربي إلى بريطانيا. هنا سوف تتقدّم الدبلوماسية المغربية المقدامة والمغوارة، لتزوّد بريطانيا بحاجياتها من الطماطم بكميات قياسية. الصادرات الإسبانية نحو بريطانيا من الطماطم تراجعت بنحو 43 في المائة، بينما ارتفعت صادرات المغرب بأكثر من 63 في المائة، وذلك بين عامي 2019 (ما قبل الجائحة) و2021 (بداية الخروج من الجائحة). أي أن أكثر من 110 ألف طن من الطماطم المغربية وجدت طريقها نحو أطباق البريطانيين، بينما بقي المغاربة يغنون "يا حريرتي فين نلقاك؟". وها هو رابط مقال جريدة hortoinfo الإسبانية حول هذا الموضوع: https://cutt.ly/13neU0h الحكومة التي تزعم أنها "تواصلت" مع المهنيين لتقليل الكميات المصدرة من الطماطم، هي نفسها التي نهجت دبلوماسية الطماطم وراحت توقع الاتفاقيات لإطعام أسر بريطانيا وأطفال بريطانيا على حساب أسر وأطفال المغرب. وليتهم يسكتون، بل ينسون ما يقولونه من خطاب للاستهلاك الداخلي، باللغة العربية بطبيعة الحال، ثم يعودون إلى احتفالاتهم الطماطمية بالفرنسية وخطاب البزنس مع الأجانب، على اعتبار أننا أصبحنا أبطالا في رياضة تصدير الطماطم. للإنصاف، بين سؤال النائبة ياسمين لمغور وجواب وزير الفلاحة، كانت الصادرات المغربية قد سجلت بعض الانخفاض نحو أوربا، وهو ما عبّرت عنه تقارير إعلامية أوربية، خاصة في بريطانيا، والتي اشتكت من تراجع واردات أوربا من الطماطم المغربية بسبب اقتراب شهر رمضان. إحدى الصحف البريطانية التي كتبت عن هذا الموضوع في نهاية مارس 2022، قالت إن المواطن البريطاني بات يجد صعوبة في شراء الطماطم، موضحة أنه ورغم انخفاض الصادرات المغربية، إلا أن السبب الحقيقي لتراجع عرض الطماطم هو تراجع الإنتاج الأوربي الذي يكون متوفرا في تلك الفترة من السنة عادة، خاصة منها محاصيل الحقول الهولندين والفرنسية… لكن وبسبب ارتفاع سعر الغاز، امتنع جزء من المنتجين الاوربيين عن زراعة الطماطم في تلك الفترة (اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية). رابط المقال: tinyurl.com/38fs65zt هذا الوضع لن يستمر طويلا، حيث عادت الصادرات المغربية من الطماطم إلى التدفق نحو الأسواق الأوربية بشكل يفوق الإيقاع الطبيعي، أي أن دولتنا الكريمة هبّت لمساعدة الأوربيين في أزمتهم، ووفرت لهم الطماطم بكميات استدعت الاحتفال بتحطيم الأرقام القياسية أواخر السنة الماضية. وبصرف النظر عن الحالات الاستثنائية والأزمات الظرفية، يعتبر تصدير الطماطم خيارا استراتيجيا ثابتا بالنسبة للمغرب، بدليل الارتفاع السريع للكميات المصدرة ودخول أسواق جديدة، إلى جانب بريطانيا، نجد دولا إفريقية وخليجية، ما جعل الأنواع منخفضة الجودة تجد طريقها نحو التصدير. وهذه بعض المعطيات الإحصائية بخصوص تطور الصادرات المغربية من الطماطم، ولنلاحظ إيقاع ارتفاع الأرقام: https://www.trademap.org/Country_SelProductCountry_TS.aspx?nvpm=2%7c504%7c%7c%7c%7c0702%7c%7c%7c4%7c1%7c1%7c2%7c2%7c1%7c2%7c1%7c1%7c1 الأسئلة المطروحة الآن: لماذا اختفى عنصر التصدير من خطاب الحكومة، وتحديدا وزير الفلاحة؟ هل كان هذا العنصر مؤثرا في الفترة نفسها من السنة الماضية ولم يعد له تأثير اليوم؟ هل شعرت الحكومة أنها تخلصت من أي عبئ للواجب تجاه المواطن وبات اهتمامها منصبا بالكامل على الشركات والمنتجين والمصدّرين؟ ثم ماذا فعلت الحكومة منذ العام الماضي عندما اكتشفت (والمفروض فيها أن تعرف وتستبق حدوث ذلك لا أن تكتشفه كأيها الناس)، تضرر المواطن المغربي جراء الاصدير المفرط للأغذية؟ وبما أن المعطيات الإحصائية والموثقة تثبت أنها لم تفعل شيئا من أجل حماية المواطن وصون قدرته الشرائية في جانب حيوي وأساسي من معيشته، وواصلت تشجيع وتحفيز التصدير على حساب قوت المواطن المغربي، لماذا لم تعمد حاليا إلى وقف التصدير أو خفضه (هناك أنواع من الإنتاج لا يمكن وقف تصديرها لأنها تخصص أصلا وبشكل تعاقدي من أجل التصدير، باستثناء حالات الأمن القومي التي تجيز كسر مثل هذه التعاقدات)؟ وبما أن جهة سوس، كما قال الوزير في جوابه الكتابي، هي المزود الأول للسوق الوطنية من الطماطم، لماذا فشل الاجتماع الذي انعقد يوم 3 فبراير الماضي بمقر الغرفة الفلاحية لجهة سوس ماسة في اتخاد أي قرار لوقف أو تقليص التصدير إلى أن ينتهي شهر فبراير؟ وإذا كان المستوردون الأوربيون قد استنفروا كل إمكاناتهم وشبكات علاقاتهم، وبعضهم ركب الطائرة وأتى إلى المغرب للدفاع عن وارداته من الطماطم (كما يقول مقال لصحيفة ميديا24)، من هي الجهة التي استنفرت قواها وتعبأت وتواصلت من أجل الدفاع عن حقوق ومصالح المستهلك (المواطن يا حسرة) المغربي؟ مقال صحيفة "ميديا24" حول اجتماع غرفة الفلاحة لجهة سوس ماسة: https://medias24.com/…/tomates-la-decision-de-reduire…/ والله يخرّج حريرتنا وحريتكم على خير كبش كبش.