روى الإمام مسلم في صحيحه قال: "حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تعُدُّون الشهيد فيكم؟». قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال «إن شهداء أمتي إذاً لقليل». قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون (أي الوباء القاتل) فهو شهيد، ومن مات في البطن (مرض قاتل يصيب البطن)، فهو شهيد». قال ابن مقسم: أشهد على أبيك في هذا الحديث أنه قال «والغريق شهيد». وفي الأحاديث النبوية حالات أخرى يعتبر موتاها شهداء، ومنهم المرأة تموت في النفاس.. وبناء عليه، فهِمَ العلماء من هذه الأحاديث أن كل مسلم يموت في أحوال وأمراض وحوادث شديدة فظيعة مؤلمة، يُكتب عند الله شهيدا.. {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: 70]. فإخواننا الذين ماتوا في هذا الزلزال الرهيب، من السوريين والأتراك وغيرهم، نحسبهم شهداء، ونحسبهم الآن في رحمة الله وضيافته، ونحسبهم قد استراحوا من أنكاد الدنيا وهمومها وغمومها. فهم الناجون حقا.. وأما الناجون من الموت، الباقون على قيد الحياة، فدعاؤنا ورجاؤنا: أن يجعل الله تعالى في أقدارهم لطفا، وأن يجعل مع عسرهم يسرا، وأن يجعل عاقبتهم خيرا. وعلى كل حال، فنحن مبتلَوْن مثلما هم مبتلَوْن. ومما نحن مبتلَوْن به الآن: واجباتنا الوقتية نحوهم، بما نستطيع إليه سبيلا، من النجدة والإنقاذ والإسعاف، ومن الدعاء والتضرع والرجاء.. وهم مبتلون بالصبر والثبات والاحتساب.. نحن مبتلون بما نحن فيه من فضل ويسر، وهم مبتلون بما نزل بهم من شدة وعسر.. والعبرة في هذه الابتلاءات، إنما هي بالخواتيم والمآلات، والعاقبة للتقوى. والله تعالى يبتلي الناس بالخير، مثلما يبتليهم بالشر، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].