ها قد صحونا أو كدنا بالتدرج، وذلك بعد أن شرب الجميع من نخب العزة والوطنية والرفعة.. وبغض النظر عن الابتذال والإسفاف الذي سقط فيه البعض بدافع الحماس المبالغ فيه، أو حتى تلك الآراء النشاز التي لا تستحضر السياق ولا الغايات والمقاصد. وعموما، فإن هذه النسخة الموندالية العربية أثلجت صدورنا، من ناحية التنظيم والاستضافة لبلد اسمه قطر، أعد عدته لاستثمار الفرصة بما يليق بتاريخ أمة الإسلام، مرورا بالمشاركة المشرفة للمنتخبات العربية والإفريقية، وصولا إلى تميز المنتخب المغربي أداء وقيميا.. جميعنا ارتسمت في مخيلته علامات حياة أمتنا، صحيح قد اجتمعت بواسطة لعبة رياضية، ولكن هذا مؤشر يقاس عليه. أضف إلى ذلك حضور قضية فلسطين، وبر الوالدين، وقيم التعاون والتضحية والعطاء..كل ذلك يلقي على عاتق الجميع مسؤولية مواصلة السير نحو مزيد من الاعتزاز بقيم أمتنا، وهي فرصة مواتية للاجتهاد وإعادة النظر في الوسائل المحققة للمقاصد. ولذلك فلا مجال للنكوص والتنكب والفتور؛ بل ينبغي أن يكون الجميع في مسؤولية هذه الأحداث بما يتطلب إسهاما فعالا في تحقيق نهوض أمتنا، ومن هذه الفئات والهيئات أذكر منها الآتي: العلماء: هؤلاء لم يكونوا غائبين بالمطلق في هذه الأحداث، وبغض النظر عن الملحوظة المسجلة في التقديم، والمتعلقة بالحماس والاندفاع غير المتوازن..إن العلماء قادة الأمة، أصحاب الخبرة والحكمة، مطالبون بمزيد من الإسهام إنتاجا وتأطيرا، من دون إغفال للتأصيل وحسن التنزيل، وهو ميدان لا يتقنه إلا أهله من العلماء العاملين المواكبين لأحداث الأمة بتسديد العلم الصحيح والمنضبط.. الوطن: حينما يحتضن الوطن مواهبه، ويتيح الفرصة لمواطنيه المخلصين يظهر الإبداع والإتقان، فكلما آمن الوطن بإمكانية نجاح أطره ونخبه، ويوفر لهم كل وسائل العمل المطلوبة تكون التضحية والعطاء بكل إخلاص. حدث هذا حينما أعطيت الفرصة للناخب الوطني صاحب ملحمة قطر 2022 وكل الأطر المتعاونة معه، دون نسيان سلفه بادو الزاكي، وسائر النخب والكفاءات الوطنية في مختلف المجالات التي تنجح وتتألق..أضف إلى ذلك رمزية الاستقبال الملكي للنخبة الوطنية وذويهم، لتأكيد التحام الشعب بالعرش، وتجسيدا لشعار "أن المستحيل ليس مغربيا"..وهذا التشجيع والدعم وإتاحة الفرص للنخب الصادقة ينبغي أن يستمر ويتعزز.. الأسرة: رغم معاول الهدم التي استهدفت هذه المؤسسة المركزية في إنتاج أجيال أمتنا، وعلى الرغم من محاولات استهدافها في تظاهرة قطر بنشر الشذوذ والرذائل..لكن بالمقابل ظهرت لنا علامات مبشرات، تؤكد الاحتضان الأسري والاعتزاز بالأصول والفروع…وهذا تحد متجدد على عاتق كل الأسر أن قوموا بمزيد من الاحتضان والعطاء بلا حدود و تقوية التمسك بالهوية والقيم..فإن أمهات لاعبي المنتخب المغربي ضحين وبذلن كل غال ونفيس وهن متغربات من أجل أبنائهن، فكانت هذه النتائج المفرحة، لذلك فإن الأسرة مفتاح كل نجاح واعتزاز، فلتواصل عملها بكل يقظة وتقويم بلا ملل أو استسلام. الهيئات الإصلاحية والدعوية: من سمات نجاح هذه الهيئات قدرتها على استيعاب المتغيرات، وسرعتها في مواكبة المستجدات. هي فرصة مواتية لبذل مزيد من الجهود في التأطير والتوجيه، مع التجديد في الوسائل وعدم الجمود والارتهان لنفس مجالات العمل السابقة، والاجتهاد أكثر للاهتمام بفئات بعينها كالشباب والطفولة..هذه لعبة رياضية نعم لكن رأينا جميعا كيف يمكن استثمارها قيميا وأخلاقيا… الجمعيات ودور الشباب: هذه الفضاءات كان لها ولازال دور كبير في اكتشاف المواهب وإعطائها فرصة التعبير عن إبداعها، هي فرصتها للتعزيز من قدراتها، وينبغي أن تؤمن بإسهامها الفعال في تحقيق النجاح، وكثير من أبناء الشعب مروا من هنا رغم الفقر والحاجة، لكن احتضانهم وتأطيرهم المخلص يسهم بلا ريب في امتطاء سلم التفوق والتألق. فلتفتح هذه الفضاءات أبوابها باستمرار، ولتسند مهام تسييرها لأفضل الأطر. التعاونيات والفضاءات المدرسية: كثير من المواهب تكتشف في صفوف المتمدرسين، فينبغي تشجيع هذه الجمعيات والنوادي المدرسية وتتمين أعمالها، بدل التبخيس والتيئيس الذي يتقنه البعض..استفادة بعض لاعبي المنتخب المغربي من تأطير هذه الفضاءات يؤكد أهميتها ودورها في صقل المواهب ومواكبتها بكل تفان وتجرد..فلتعد لهذه المتنفسات المتنوعة وهجها وفعاليتها في كل مجالات التأطير الثقافي والفني والرياضي… الإعلام: صاحب السطلة هذا قد يرفع أقواما أو يسقطها في الحضيض..وكم يكون الإعلام غافلا عن الأولويات حينما يجتهد في الترويج للتفاهة، ويعمم الاحتفاء بنماذج هابطة. فليكن الإعلام دوما عنصر بناء من خلال الاعتزاز بهوية أمته وقيم شعوبه، والاهتمام والمتابعة للقدوات الناجحة المسهمة في النهوض والتقدم..وهكذا لاحظ الجميع أن إعلام الدنيا بما اهتم وأعجب في تظاهرة قطر، من بر الوالدين وحب فلسطين، وقيم التعاون والتآلف والإخلاص في تحقيق النجاحات.. هؤلاء الفاعلون وغيرهم مطالبون بتحمل كامل المسؤولية لحسن استثمار هذه الأحداث بما يقوي الهوية والقيم، وذلك حتى لا تكون مجرد لحظات عابرة..ثم إننا محتاجون إلى إظهار مزيد من العطاءات والإنجازات في كل المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية..وهذا لن يتأتى إلا بتضافر جهود الجميع، مع الإخلاص والثقة بالقدرات والكفاءات الوطنية، وإتاحة الفرص لكل المسهمين في تحقيق التقدم والتفوق، ولا مجال للتراجع إلى الخلف وتكريس التبعية والانهزامية الداخلية..فهيا بنا هيا لنشهد مزيدا من النجاحات بكل اجتهاد ونية.