وأنا أتلو ورد اليوم الصباحيّ الجماعي من الحزب الحادي والثلاثين، مررت بقوله تعالى يذكر صفة من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم: " وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً"، فانتابني شعور شَدَّني إلى عبارات تروج خلال "المونديال العالمي" بقطر، يتبادلها لاعبو المنتخب الوطني المغربي وطاقمه الفني، ومن ورائهم شعب كريم يتودّد بهذه العبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتخذها مَسْرىً يبثّ عبرها آمالا وأحلاما بِنْصرٍ مُرتقَب يَهَبُه الواهب لهذا المنتخب ويتفضَّلُ به على هذا الشعب. "رضاة الوالدين" عبارة صارت حديث العام والخاص، يردّدها الكبير والصغير: عادة وفرحة، لكنّها تحمل من الدلالات العميقة ما يؤكد أن للأمة قيمًا أساسُها عناية ربانية، وثقافة بانية، وأخلاق سامية ظلت تحوط المجتمع ولا تزال، برغم ضمورها أحيانا، أو تواريها أحيانا أخرى، لكنّها تستعصي على الموت. "رضاة الوالدين" تختصر طبيعة التربية الحاضنة لمجتمع يَدينُ بالولاء للدين، ويعتزّ بقيمٍ ظلّ الآخرون يبحثون لها عن جدوى، لعلها تجلب السعادة الغامرة الغائبة، في مجتمعات أضحت أسيرة المادة، فلم تستطع منها فكاكا، لأنها تُصِرُّ على التمرّد على فطرة استودعها الخالق في البشرية. "رضاة الوالدين" وشيجة من وشائج القربى الناظمة للعلاقة بين الآباء والأبناء بعفوية القائلين، وعلم العارفين، وتذكير الناصحين. "رضاة الوادين" بدونها، لا يُنالُ رضى الله، وقد قال الحبيب: "رضى الله في رضى الوالديْن" ابن حبان والترمذي والبيهقي، وما كان إسماعيل النبي ليكون عند ربه مرضِيّاً، لولا أنه عند أبيه مرضيّاً "قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرْ سَتَجِدنِيَ إنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّابِرينَ". الصافات 102 "رضاة الوالدين" عنوانٌ من العناوين التي أحياها المونديال القَطري" من موات، وجمعها من شتات، ونفخ فيها من روح المعنى، لتقدمَ للبشرية قَبَساً مخَلِّصاً من قيْدٍ رانَ على أفئدة الذين لا يرجون للقيم وقارا، وتُحرّرَ الفكر من "نجاسة" ظلت تلازمه وتسطو عليه. " دير النِّيَة" عبارة أخرى تنبعث على السليقة، تخرج من أفواهٍ تُنبيء بما يعتلج في النفوس من طموحٍ التفوق وشوقٍ للانتصار، فكان المرادُ ونيلَ المطلوب. " سير سير" دعوة أخرى ترفع من منسوب الأمل، وتخلق الحافز، وتلك محمدة أخرى من محامد الدين التي ترفع التفاؤل شعارا دافقا لمخزون النفس، لكل لاعب يخوض نِزال المباريات للفوز والتَّتويج، لكنه -أيضا- يخوض رهان الإعلاء من القيم التي تَربّى عليها، ورضع لَبَنها في أسرة تعتز بالدين وقيمه الجامعة، وعلى رأسها قيمتا المواطنة الجامعة، والفرح المشترَك. فهنيئا للوطن بهذا التألّق، وهنيئا للمنتخب بهذا التفوق، وهنيئا لهذا الشعب بهذا الفرح المتجدّد.