"زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1500م من السبت إلى الإثنين المقبلين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    حكام سوريا يقاتلون "ميليشيات الأسد"    الحكم موقوف التنفيذ لمناهضين ضد التطبيع    "البام" يشيد بمقترحات مدونة الأسرة    "منتدى الزهراء" يطالب باعتماد منهجية تشاركية في إعداد مشروع تعديل مدونة الأسرة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرواحُ الكافرين عند الموت وعالمُ البرزخ (5)
نشر في هوية بريس يوم 15 - 11 - 2022

إنّ ساعةَ الموتِ أخطرُ ساعةٍ في رحلة الإنسان الطويلة إلى ما لا نهاية لأنها بداية الانتقال من عالم الشهادة المحسوس، الذي عرفه الإنسان وألفه، إلى عالمٍ كان غيباً في الحياة الأولى، ويصيرُ محسوساً في الحياة الجديدة، التي تبدأُ بالموتِ الجسدي، ليحدث للإنسان في عالم البرزخ لأول مرة عوالمُ تختلف كل الاختلاف عن عوالم الدنيا التي عايشَها، وائتلف أو تنافر معها. وفي ساعة الموت يرى الإنسان ملائكة الله، ويسمع منهم الكلمة الفاصلة النازلة إليه من عند الله تعالى، وهي الكلمةُ التي تدلُّ على نعيمه الأبدي أو شقائه الأبدي، ولو كان يملكُ العالم كلَّه في هذه الساعة، وقُبِلَ منه أن يضحي به، أو كان يملك ملء الأرض والسماء ذهباً، وقبل منه أن يتصدق به في سبيل أن يسمعَ كلمةَ الرضى والعفو من الله في هذه الساعة لفعل، وكان في منتهى السعادة، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: 47].
عندما يحتضر الكافر تأتيه الملائكة فتبشره بالعذاب والنكال، فينكر ويقول: ما كنت أعمل من سوء. فلا ينفعه هذا الإنكار لأنه قد كتب عليه كل شيء وشهد الله عليه، فعدها يطلب الرجعة ليعمل صالحاً فلا يجاب لذلك، فيعلم أن العذاب واقع به لا محالة فتتفرق روحه في جسده هرباً من الملائكة ولكن ليس له مهرب ولا منجا، فتضربه الملائكة على وجهه ودبره ثم تنتزع روحه كما ينتزع الشوك من الصوف، دل على هذه المعاني الآيات التالية [اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة، المطيري، ص 66]:
أولاً: حال أرواح الكافرين عند الموت:
1- قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *﴾ [الأنعام: 93]، قوله تعالى: أي كرباته ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾، وقوله جوابه محذوف تقديرُه: لرأيتَ أمراً ﴿وَلَوْ تَرَى﴾، وهذه عبارةٌ عن التعنيف في السياق والشدّة في قبض الأرواح، وقوله تعالى: أي ﴿بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾، كقوله: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ [المائدة: 28] وقوله: ﴿وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ﴾ [الممتحنة: 2] وكقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ﴾ [الأنفال: 50]. ولهذا قال: أي بالضربِ ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾، حتى تخرجَ أنفسُهم من أجسادِهم، ولهذا يقولون لهم: وذلك أنّ الكافرَ إذا احتُضِرَ بشَّرته الملائكة بالعذاب ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب القهار العظيم، فتفرق روحُه في جسده، وتتعصَّى، وتأبى الخروجَ، فتضربهم الملائكة حتى تخرجَ أرواحُهم من أجسادِهم، قائلين لهم: أي كنتم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ﴾ الله وتستكبرون عن اتّباع آياته ، والانقياد لرسله، ثم يبشرون بالعذاب ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾. [اليوم الآخر في القرآن العظيم ص، 64]. قال سيد قطب – رحمه الله -: وجزاء الاستكبار العذاب المهين، وجزاء الكذب على الله هذا التأنيب الفاضح.. وكله مما يفضي على المشهد ظلالا مكروبة، تأخذ بالخناق من الهول والكآبة والضيق [في ظلال القرآن، سيد قطب، 7/1194].
2- وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: 22] أي حرامُ ومحرَّمٌ عليكم دخولُ الجنة، وفي حديث البراء الطويل، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وإنّ العبدَ الكافِرَ إذا كانَ في انقطاعٍ عن الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة، نزلَ إليه مِنَ السماءِ ملائكةٌ، سودُ الوجوهِ، معهم المسوحُ، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيءُ مَلَكُ الموتِ، حتى يجلسَ عندَ رأسِهِ، فيقول: أيتُها النفسُ الخبيثةُ، اخرجي إلى سخطٍ مِنَ اللهِ وغضبٍ، قال: فتفرق في جسدِهِ، فينتزعُها كما ينتزع السفود من الصوفِ المبلول » [محاسن التأويل للقاسمي، 7 / 22 ].
3- قال تعالى: ﴿رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ *﴾ [الحجر: 2].
في الآية إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر، ويتمنَّون لو كانوا في الدنيا مع المسلمين، وقيل: إنَّ المرادَ أَنَّ كُلَّ كافرٍ يودُّ عند احتضارِه أَنْ لو كان مؤمناً. [تفسير ابن كثير ت سلامة 4/ 524].
ونقل السدي في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة: أن الكفار لما عرضوا على النار، تمنوا أن لو كانوا مسلمين [تفسير ابن كثير، (4/ 524].
4- قال تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النحل: 28 29]. قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم: {فألقوا السلم} أي: أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين: {ما كنا نعمل من سوء} كما يقولون يوم المعاد: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 23] {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم} [المجادلة: 18] [تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، 4/567].
5- وقال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*﴾ [المؤمنون: 99 100]، وهم لا يكفّون عن طلبِ الرجعة، فيطلبونها في كلِّ وقتٍ، وفي كلِّ حينٍ [التسهيل لابن جزي، 1 / 279]. قال السعدي رحمه الله: يخبر تعالى عن حال من حضره الموت، من المفرطين الظالمين، أنه يندم في تلك الحال، إذا رأى مآله، وشاهد قبح أعماله فيطلب الرجعة إلى الدنيا، لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها وإنما ذلك يقول: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} من العمل، وفرطت في جنب الله. {كَلا} أي: لا رجعة له ولا إمهال، قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون، {إِنَّهَا} أي: مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا {كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} أي: مجرد قول باللسان، لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم، وهو أيضا غير صادق في ذلك، فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه [تفسير السعدي، ص 595].
ثانياً: أهوال حياة البرزخ وما بعدها:
1- وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ *﴾ [إبراهيم: 44]. قال السعدي رحمه الله: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} أي: صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا}: بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا" [تفسير السعدي، ص 427].
2- وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ *﴾ [الأنعام: 27 28]
3- وقال تعالى: ﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ*﴾ [الشورى: 44]
4- وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ *﴾ [فاطر: 37] فذكر تعالى أنّهم يسألون الرجعة فلا يجابون: عند الاحتضار، ويوم النشور، ووقت العرض على الجبار، وحين يعرضون على النار، وهم في غمرات عذاب الجحيم [تفسير البغوي، 3 / 169].
5- قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ *﴾ [الأعراف: 40].
وقد فسر النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) هذه الآية في حديث البراء السابق، وفيه أنّه قال: «… إنّ العبدَ الكافِرَ إذا كانَ في انقطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سودُ الوجوه، معهم المسوحُ، فيجلسون مِنْهُ مَدّ البصرِ، ثم يجيءُ ملكُ الموتِ حتى يجلسَ عند رأسه، فيقول: أيتُّها النفسُ الخبيثةُ اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضبٍ، قال: فتفرق في جسده، فينتزعُها كما ينتزعُ السفود من الصوف المبلول، فيأخذها في تلك المسوح، ويخرجُ منها كأنتنِ ريحِ جيفةٍ وُجِدَتْ على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرّون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروحُ الخبيثُ؟ فيقولون: فلانُ بنُ فلانٍ بأقبح أسمائه التي كان يسمّى بها في الدنيا، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيُستَفْتَحُ له فلا يُفتحُ له، ثم قرأ رسول الله ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: 40]. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابَهُ في سجّين في الأرضِ السفلى، فتُطْرَحُ روحُه طَرْحاً، ثم قرأ: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ *﴾ [الحج: 31]، فتعادُ روحُه في جسدِهِ، ويأتيه ملكانِ، فيجلسانِهِ، فيقولانِ له: مَنْ ربُّكَ ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دِيْنُكَ ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أَن كذَب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه مِنْ حَرّها وسَمُومها، ويضيَّقُ عليه قبرُه، حتى تختلَ فيه أضلاعُه، ويأتيه رجلٌ قبيحُ الوجهِ، قبيحُ الثيابِ، مُنْتِنُ الريحِ، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنتَ توعدُ، فيقول: مَنْ أنتَ؟ فوجهُك الوجهُ يجيءُ بالشرِّ، فيقول: أنا عملُكَ الخبيثُ فيقول: ربِّ لا تُقِمِ الساعةَ» [تفسير القرآن العظيم، 2 / 544].
إنّ ساعة الموت أخطرُ لحظةٍ في عمر الإنسان، فتزدادُ حسرةُ الميّت ومصيبتُه وفجيعتُه حين يكونُ منِكراً للحياة الآخرة، أو مغروراً بمسلكه المضاد لدين الله، أو القائم على البدع والخرافات التي أبعدته عن الإيمان الصحيح والطريق السويِّ الموافق للكتاب والسنة، كما ذكرنا في الآيات السابقة التي تهز القلوب، وتحرك الأفئدة بما ذكرته من أحوال الكافرين والعصاة المجرمين حال خروج أرواحهم وفي حياة البرزخ ويوم القيامة، عياذاً بالله من ذلك.
-ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: "الإيمان باليوم الآخر"، للدكتور علي الصلابي، واستفاد أكثر معلوماته من كتاب: " اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة"، للدكتور عبد المحسن المطيري.
المراجع:
* الإيمان باليوم الآخر، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير الطبعة الأولى.
* التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، دار الأرقم، الطبعة الأولى، 1414ه.
* تفسير ابن كثير، أبو الفداء ابن كثير، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419ه.
* تفسير السعدي، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، 2000م.
* تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، أبو عبد الله القرطبي، دار الكتب المصرية، الطبعة الأولى، 1964م.
* اليوم الآخر في القرآن العظيم والسنة المطهرة، عبد المحسن المطيري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.