ابن كيران: لو نقلنا التداول على الهواء لانتهت حملة 2026 ومداخلة بووانو كادت أن تقلب كل شيء ونجت الأزمي من مكر التاريخ    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    العداءات المغربيات يهيمن على سباقات ماراثون الرباط الدولي الثامن    الملك يهنئ رئيس الطوغو بعيد بلاده    الدورة 17 لملتقى الفلاحة بمكناس تجذب أزيد من مليون زائر    خلال اليوم الأخير .. عزيز أخنوش يزور أروقة الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    الرئيس الفرنسي يشيد بإعطاء جلالة الملك انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة القنيطرة- مراكش    المغرب يصدّر 1.7 مليون كتكوت .. ويحقق طفرة في إنتاج لحوم الدواجن    كندا: 9 قتلى في حادث دهس بمهرجان    25 قتيلا جراء انفجار بميناء إيراني    غزة: إضافة 697 شهيدا بعد التحقق    طنجة تحتضن اجتماع المجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي استعدادًا للمؤتمر المقبل    الطالبي: "الأحرار" يقود الحكومة بهدوء    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    الحسين رحيمي يثير اهتمام أندية عربية مع اقتراب نهاية عقده مع الرجاء    شبح الإصابة يلاحق أبو خلال مجددا    حقيقة هجوم على حافلة بالمحمدية    غاييل فاي يفوز بجائزة "غونكور اختيار المغرب" عن رواية "جاكاراندا"    صدور "إفريقيا المدهشة" للوزاني.. 23 حوارا مع أبرز الأصوات الأدبية الإفريقية    وفد اقتصادي مغربي من جهة سوس يزور الأندلس غدا الاثنين لتعزيز الشراكة المغربية الإسبانية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    إصابات متفاوتة لأعضاء فريق حسنية جرسيف للدراجات في حادثة سير    استثمارات عقارية متزايدة لشقيقات الملك محمد السادس في فرنسا    إسبانيا.. توقيف مغربيين حاولا تهريب 50 ألف يورو إلى جبل طارق    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    ماراطون الرباط الدولي: الأوغندي أبيل شيلانغات يتوج باللقب والمغربي عمر أيت شيتاشن بنصفه    فرنسا.. مقتل مصل طعنا داخل مسجد    الصين تخطو بثبات نحو الاستقلال التكنولوجي: تصنيع شرائح 3 نانومتر دون الاعتماد على معدات غربية    الرباط: تتويج التلاميذ الفائزين بالدورة السادسة لجائزة 'ألوان القدس'    الجزائر.. انهيار أرضي يودي بحياة عدة أشخاص    9 صحفيين يحصدون الجائزة الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    انفجار مرفأ في إيران يودي بعشرات القتلى    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    هذا موعد والقنوات الناقلة لمباراة نهضة بركان وشباب قسنطينة    اليوم يتعرف "البيجيديون" على أمينهم العام الجديد وسط غياب بارز للرؤية السياسية المستقبلية    تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد قرار قطع المياه    تونس تتحول في عهد قيس سعيد إلى ظل باهت لنموذج سلطوي مأزوم    الجزائر في مواجهة مرآة الحقيقة: أكاذيب الداخل والخارج    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    "العدل" تستعدّ لإصدار نصّ تنظيمي بشأن تطبيق قانون العقوبات البديلة    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    احتجاج أمام "أفانتي" في المحمدية    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    فوزي لقجع نائب أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَلَكُ الموتِ الْمُوَكَّل بِقَبْضِ الْأَرْواح
نشر في أخبارنا يوم 20 - 06 - 2022

الموتَ حقيقة واقعة لا يُنكرُها مُؤمن ولا كافر، وقد كتبه الله عز وجل على جميع خَلْقِه، ولم يَستَثْنِ من ذلك أحداً، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}(آل عمران:185). قال ابن كثير: "يخبر تعالى إخباراً عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، كقوله سبحانه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ}(الرحمن:27:26). فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء".
والملائكة عليهم السلام خلقهم الله تعالى من نور، وهم عباد مُكْرَمون، خَلْقاً وخُلُقاً، برَرَة صفة وفعلا، مَجبُولون على طاعة الله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(التحريم:6). والملائكة ليسوا بناتاً لله عز وجل ولا أولادا، ولا شركاء معه ولا أندادا، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا، قال الله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}(الْأَنْبِيَاءِ:26). قال ابن كثير: "يقول تعالى رداً على من زعم أن له تعالى وتقدَّس ولدا من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله، فقال: {سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا". والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة التي جاءت في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه حين سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدَر خيره وشره). ويدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالموت، وما يحدث بعده من نعيم أو عذاب. والملائكة بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى له، ووَكلهم به على أقسامٍ، فمنهم ما هو مُوَكل بالوحي من الله تعالى إلى رُسُلِه، وهو جبريل عليه السلام، ومنهم الْمُوَكَّلُ بِالْقَطْرِ (المطر) وهو ميكائيل عليه السلام، ومن الملائكة المُوَكل بحفظ وكتابة عمل العبد من خير وشر، ومنهم الْمُوَكَّلُ بِالصُّورِ وَهُوَ إِسْرَافِيل عليه السلام، وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُون بِفِتْنَة الْقَبْر، وهم مُنْكَرٌ وَنَكِير.. ومنهم الْمُوَكَّل بِقَبْض الْأَرْواح وهو مَلَك الْمَوْت.
مَلَك الْمَوْت الْمُوَكَّل بِقَبْض الْأَرْواح:
في عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة: الإيمان بمَلَكِ الموت. قال الإمام ابن بطة: في "الإبانة": "الإيمان بمَلك الموت أنه يقبض الأرواح، ثم تُرَدُّ في الأجساد في القبور، وهو يتَّصف بصفات من القدرة والسلطان وعِظَم الخَلق، وغيرهما من الصفات التي جعلتْه قادرًا على قبض أرواح كثيرة في أماكن مختلفة بعيدة الأطراف في لحظة واحدة". وقال الطحاوي: "ونؤمن بمَلَك الموت المُوكَل بقبض أرواح العالمين". والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ذكر مَلَك الموت كثيرة، ومنها:
1 قال الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(السَّجْدَةِ:11)
2 قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}(الْأَنْعَامِ:61).
3 قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}(الأنفال:50).
4 قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(النحل:32:28).
5 عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام.. وإن العبد الكافر - وفي رواية الفاجر- إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة - غلاظ شداد - سود الوجوه.. ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة..) رواه أبو داود.
فوائد:
1 الذي يقبض الأرواح مَلَك واحد أمْ ملائكة؟
جاء في بعض الآيات القرآنية أن الذي يقبض أرواح الناس ملَك واحد، كما في قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ}(السجدة:11)، وجاء في آيات أخرى أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملَك واحد، كقوله تعالى: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ}(النساء:97)، وقوله تعالى: {حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}(الأنعام:61).. ولا تعارض بين هذه الآيات ولا تناقض، وذلك لأن المُوكَلَ بقبض الأرواح مَلَكٌ واحد، إلا أن له أعواناً يعملون بأمره ويعينونه على ذلك. ومما يدل على وجود أعوان لمَلَك الموت حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرة، نَزل إِلَيْه ملائكة مِن السَّمَاء بِيض الْوُجُوه، كَأَنَّ وُجُوهَهُم الشَّمْس، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّة وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّة، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْت عليه السَّلَام حَتَّى يَجْلِس عِنْد رأْسِه فَيَقُول: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ..). فهذا الحديث يدل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين.
قال الطبري: "إن قال قائل: أوَ ليس الذي يقبض الأرواح مَلَك الموت، فكيف قيل: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} و"الرسل" جملة، وهو واحد؟ قيل: جائز أن يكون الله تعالى أعان مَلَك الموت بأعوان من عنده، فيتولون ذلك بأمر ملك الموت". وقال القرطبي: "التوَفِّي تارة يُضاف إلى ملك الموت كما قال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}، وتارة إلى الملائكة لأنهم يتولون ذلك، كما في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}، وتارة إلى الله وهو المتوفي على الحقيقة كما قال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}(الزمر:42)". قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}: "قال تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان".
وقال أبو المظفر السمعاني: "فإن قيل: قد قال في آية: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ}(السجدة:11)، وقال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}(الأنعام:61)، فكيف وجْه الجمع؟ قيل: قال إبراهيم النخعي: لِمَلَك الموت أعوان من الملائكة، يتوفَّوْن عن أمره، فهو معنى قوله: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}، ويكون ملك الموت هو المتوفى في الحقيقة، لأنهم يصدرون عن أمره، ولذلك نسب الفعل إليه في تلك الآية. وقيل: معناه: ذكر الواحد بلفظ الجمع، والمراد به: ملك الموت".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "إن ملك الموت له أعوان يعينونه على إخراج الروح من الجسد حتى يوصلوها إلى الحلقوم، فإذا أوصلوها إلى الحلقوم قبضها ملك الموت. وقدْ أضاف الله تعالى الوفاة إلى نفسه، وإلى رسله أي: الملائكة، وإلى مَلَكٍ واحد.. ولا معارضة بين هذه الآيات، فأضافه الله إلى نفسه لأنه واقع بأمره، وأضافه إلى الملائكة لأنهم أعوان لملك الموت، وأضافه إلى ملك الموت لأنه هو الذي تولى قبضها من البدن".
وقال الشيخ الشنقيطي: "والجواب عن هذا ظاهر، وهو: أن إسناده التوفِّي إلى نفسه سبحانه لأن مَلَكَ الموت لا يقدر أن يقبض روح أحد إلا بإذنه ومشيئته تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}(آل عمران:145)، وأسنده لملك الموت لأنه هو المأمور بقبض الأرواح، وأسنده للملائكة لأن ملك الموت له أعوان من الملائكة تحت رئاسته، يفعلون بأمره.. والعلم عند الله تعالى".
وفي شرح الطحاوية: "وَنُؤْمِن بِمَلَكِ الْمَوْت، الْمُوَكَّلِ بِقَبْض أرْواح العالمين". قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(السجدة:11)، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}(الأنعام:61)، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}(الزُّمَرِ:42) لِأَنَّ مَلَك الْمَوْت يَتَوَلَّى قَبْضها وَاسْتِخْراجها، ثُمَّ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَة أَوْ مَلَائِكَةُ الْعَذَاب، وَيَتَوَلَّوْنَها بَعْدَه، كُلُّ ذلك بإذْن اللَّه وقضائه وَقَدَرِه، وَحُكْمِه وَأَمْرِه، فَصَحَّتْ إِضَافَةُ التَّوَفِّي إِلَى كُلٍّ بِحَسَبِه".
2 مَلَك الموت يبشر المؤمن بالمغفرة من الله والرضوان، ويبشر الكافر أو الفاجر بسخط الله وغضبه، وهذا قد صرحت به نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(فصلت:30) وهذا التنزُّل كما قال أئمة التفسير إنما يكون حالة الاحتضار.. أما الكفرة الفجرة فإن الملائكة تتنزل عليهم بنقيض ذلك، قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}(الأنفال:50:51). وهذا توفي عام في حق كل كافر في بدر وغيرها. قال ابن كثير: "وهذا السياق - وإن كان سببه وقعة بدر - ولكنه عام في حق كل كافر، ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر، بل قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} وفي سورة القتال مثلها (يشير ابن كثير إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}(محمد:27)).. وتقدم في سورة الأنعام عند قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}(الْأَنْعَامِ: 93) أي: باسطو أيديهم بالضرب فيهم.. وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله، كما جاء في حديث البراء". وقد صرَّح حديث البراء بن عازب رضي الله عنه بأن ملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة..
3 اشتهر أن اسم ملك الموت "عزرائيل"، إلا أنه لم ترد تسمية مَلَك الموت بهذا الاسم في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الصحيحة، وإنما ورد في بعض الآثار والتي قد تكون من الإسرائيليات.. قال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وأما مَلَك الموت فليس بِمصَرَّح باسمه في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح، وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل، والله أعلم". وقال السندي: "لم يرد في تسميته حديث مرفوع". وقال المناوي بعد أن ذكر أن ملك الموت اشتهر أن اسمه عزرائيل، قال: "ولم أقف على تسميته بذلك في الخبر". وقال الشيخ الألباني في تعليقه على قول الطحاوي: "ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين". فقال الألباني : "قلتُ: هذا هو اسمه في القرآن، وأما تسميته ب "عزرائيل" كما هو الشائع بين الناس فلا أصل له، وإنما هو من الإسرائيليات". وقال الشيخ ابن عثيمين: "وقد اشتهر أن اسمه عزرائيل، لكنه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمي من وُكِّل بالموت ب (ملك الموت) كما سماه الله عز وجل في قوله: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(السجدة:11)"..
لا عِلْم لنا بعالَم وصفات وأحوال وأسماء الملائكة إلا في حدود ما أخبرنا الله عز وجل عنه في قرآنه الكريم، أو مِن خلال أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم الصحيحة. ومما ينبغي أن يُعلَم: أن الملائكة بالنسبة إلى ما هيأهم الله تعالى له ووَكلهم به على أقسامٍ، فمنهم ما هو مُوَكل بالوحي من الله تعالى إلى رُسُلِه، ومنهم الْمُوَكَّلُ بِالْقَطْرِ (المطر)، وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُون بِفِتْنَة الْقَبْر، ومنهم الْمُوَكَّل بِقَبْض الْأَرْواح وهو "مَلَك الْموْت".. فإذا جاء أجل العبد وحان موعد موته، أرسل الله عز وجل إليه ملك الموت ومعه ملائكة يعاونونه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}(آل عمران:145)، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(السجدة:11)، وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ}(الأنعام:61).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.