هوية بريس-الدكتور سعد الدين العثماني [email protected] هذا هو النوع الثالث من أنواع اضطرابات القلق. وهو من أكثرها انتشارا، إذ يصيب ما بين 3 إلى 5 %من عموم المواطنين على الأقل. ويضم مجموعة من الاضطرابات، ينطبق عليها كلها اسم الرهاب. وتسمى أيضا اضطرابات الرهاب أو الرهاب أو الخوف المرضي. ويمكن تعريف "الرهاب" بأنه خوف مفرط أو شديد غير منطقي وغير مبرر وغير متناسب، من أشياء أو مواقف لا تحمل في حد ذاتها أي خطر. والتعرض لهذه الأشياء أو المواقف يسبب القلق. كما يسببه أحيانا مجرد التفكير فيها. ويتراوح القلق المتسبب فيه من حيث شدته من عدم ارتياح خفيف إلى فزع شديد. والشخص المصاب بالاضطراب الرهابي واع بأن القلق الذي يشعر به لا يناسب مصدر ذلك القلق، ومع ذلك فإنه لا يستطيع التحكم في الإحساس المفرط به. كما لا يخفف منه أن يعرف المصاب بأن الناس الآخرين من حوله لا يرون أي مشكلة أو خطر أو تهديد في ذلك الموقف، ويعتبرونه عاديا وطبيعيا. وفي كثير من الأحيان يولد مجرد التفكير في احتمال التعرض لذلك الموقف قلقا توجسيا استباقيا. ومن الأمثلة على ذلك أن الشخص الذي مر في فترة من عمره بخبرة مخيفة نتيجة لسع النحل، قد يصاب بالخوف المرضي (أو الرهاب) بمجرد النظر إلى صورة النحل، أو رؤيته من بعيد، أو السير بجانب الأزهار التي من المتوقع وجود النحل عليها، أو التفكير في النحل ولسعه. وهكذا يترتب عن ذلك الشعور إما تجنب الأشياء أو المواقف المسببة للرهاب، وإما مكابدتها والصبر عليها والعيش في قلق وارتباك. وتظهر على المصاب العديد من الأعراض العضوية والنفسية مثل الإجهاد والصداع وتصبب العرق وعدم الشعوب بالأمن والتردد والجبن وتوقع الشر وغيرها. وهذا كثيرا ما يعيق نشاط المصاب اليومي أو يحد من علاقاته الاجتماعية، ويجعله في أقصى الحالات منزويا ملازما لبيته. إن أول ما يتساءل عنه الفرد عند إصابته باضطراب رهابي هو لماذا تلك الإصابة وما هي أسبابها. وعلى الرغم من صعوبة التحديد الدقيق لتلك الجذور بسبب تعددها وتداخلها، فإنه من الممكن الإشارة إلى أهمها، وهي أمران اثنان: 1 – الاستعداد الوراثي الذي يبدو أنه يجعل البعض أكثر هشاشة أمام المؤثرات والخبرات الصعبة. فقد ثبت أن الأقارب من الدرجة الأولى للمصابين بأنواع من الرهاب، يعانون منه بثلاثة أضعاف مقارنة بالناس الذين ليس لهم أقارب من الدرجة الأولى مصابين بها. كما أن نسبة وجود المرض في التوائم أحادية البويضة أكبر بكثير من التوائم ثنائي البويضة. 2 – وجود خبرات من التعرض في سياقات مؤلمة للمواقف المسببة للرهاب، وخصوصا في مرحلة الطفولة. وتفسير ذلك أن تعرض الشخص لخوف شديد في ذلك الموقف يجعل الدماغ يسجلها، وعندما يتكرر التعرض لذلك الموقف يقوم الدماغ بتحذير الشخص عن طريق إثارة رد فعل لمواجهته بالقلق ومحاولة الهرب. ولذلك تذهب بعض المدارس التفسيرية إلى أن الرهاب إنما هو رد فعل تعلمه الدماغ في محاولته لحماية الشخص، لكن مستوى رد الفعل يكون غير متناسب مع خطورة الموقف، أو أن رد الفعل خاطئ من أساسه لتعلقه بمجرد التفكير في الموقف المسبب للرهاب. وهذا يعني أن الرهاب ليس علامة على ضعف الشخصية أو عدم نضجها، بل هو خبرة متعلمة يمكن إزالتها بتعلم مضاد. ويمكن تمييز ثلاثة أنواع رئيسية من الرهاب وهي: – رهاب الساح والأماكن المفتوحة: وهو رهاب يتعرض فيه المصاب إلى قلق وخوف شديدين في الأماكن العامة الواسعة والمكتظة بالناس. كما يدخل فيه أيضا الشعور بالقلق عند التواجد وحيدا في مكان يصعب فيه الحصول على مساعدة. – الرهاب الاجتماعي: وهو قلق مفرط عند التعرض لمواقف اجتماعية معينة، وخصوصا التي يتعرض فيها الشخص لنظر الآخرين، وذلك مثل الحديث في التجمعات والمجالس التي بها أناس غرباء، مما يؤدي إلى تجنب حضور تلك المناسبات الاجتماعية. – الرهاب المحدد: وهو قلق عند التعرض لأشياء أو مواقف محددة مثل الحيوانات والدم والجروح والأماكن المرتفعة والأماكن المغلقة والطائرات، وهو من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارا. وقد يصاب الفرد في الوقت نفسه برهاب شيئين أو موقفين فأكثر. وسنتحدث في الحلقات المقبلة تباعا – إن شاء الله – عن كل نوع من هذه الأنواع.