هذا نوع خاص من اضطرابات الرهاب. فهو يطلق في الأصل على الخوف غير المبرر من الأماكن العامة أو المكتظة بالناس، لكن أصبح يستعمل بمعنى أوسع يدمج أيضا كل خوف غير منطقي من عدم القدرة على الإفلات من موقف صعب أو من عدم العثور على مخرج أو مساعدة في حالة الإصابة بحالة من القلق أو الذعر أو التعرض لمكروه. وهكذا يشعر المصاب برعب شديد عند الوجود مثلا في الشوارع أو الأسواق أو الأماكن المزدحمة أو وسائل النقل العام. إن ما يفرق رهاب الأماكن العامة عن بعض أنواع الرهاب الأخرى هو أنه يتضمن «الخوف من الخوف»، وترقب هجوم القلق. وقد يسمى هذا الاضطراب أيضا رهاب الخلاء أو رهاب الساح Agoraphobia وتشير الإحصائيات إلى أنه يصيب في المعدل من 2 إلى 4 في المائة من المواطنين. وهو يظهر عادة في شكل خفيف في سن العشرينات، وقد يتطور مع مرور الوقت ليصبح أشد ما بين سن 35 و 40. ويصعب تحديد جذور هذا النوع من الاضطراب. صحيح أن العامل الوراثي مهم وذو تأثير، لكن يبدو أن تعرض الفرد لصدمة نفسية أو لنوبة ذعر في مكان عام ومكتظ قد يؤدي إلى شعوره بالخوف من تكرارها، والخوف من عدم القدرة على الهرب من مكان مكتظ إلى مكان أكثر أمنا. وعادة ما يعتقد الفرد المصاب أن تلك الأحداث هي مصدر إصابته بهذا الاضطراب، لكن الصحيح أنها ليست إلا عوامل تسهل بروز استعداد كامن لديه. ولذلك فإن الكثير من الأشخاص قد يعيشون نفس الأحداث دون أن تؤدي لديهم إلى اضطراب الأماكن العامة. ومن تأثيرات هذا الاضطراب أن المصاب لا يشعر بالراحة عادة إلا عندما يكون برفقة شخص أو شيء يشعر معه بالأمان. قد يكون هذا «المرافق» فردا من الأسرة أو صديقا أو حيوانا أليفا أو عصى أو غير ذلك. كما أن المصاب يحاول باستمرار تجنب الأماكن والمواقف المسببة للرهاب. وأحيانا يحد ذلك من نشاطه ويؤثر على أدائه في الأسرة أو العمل. وقد ينتهي به الأمر إلى أن يلازم بيته وينقطع عن أنشطته اليومية. ورأينا بعض الناس لم يخرجوا من بيوتهم لسنوات طويلة وحدوا من نشاطهم بشكل شبه كامل. والسبب في ذلك هو أن أبسط نشاط خارج البيت يتطلب جهداً كبيرا في مقاومة القلق، على الرغم من أنه بالنسبة لشخص عادي يعتبر أمراً يسيراً أو تافها. وفي بعض الأحيان يشعر بعض المصابين بعدم الطمأنينة في التنقل لوحدهم في وسائل نقل عمومية أو خاصة، فيتحملون ذلك أو يخفونه لفترة طويلة قد تمتد عقودا من الزمان. ولا يبحثون عادة على العلاج إلا إذا ازداد تأثير الاضطراب على أدائهم الأسري أو المهني أو العلائقي، أو إذا برز القلق والخوف من مواقف جديدة. يرتكز علاج رهاب الأماكن العامة مثله مثل العدد الأكبر من اضطرابات القلق على أمرين اثنين هما: أولا العلاج المعرفي والسلوكي. فالجانب المعرفي يهدف إلى تعرف المصاب على الاضطراب وحقيقته وكيفية التحكم فيه، وعلى مهارات التعايش معه مثل الاسترخاء والتنفس العميق وغيرهما. أما الجانب السلوكي فيهدف إلى تدريب المصاب على أن يتحمل تدريجيا التعرض للمواقف التي تسبب لديه الرهاب، وذلك وفق خطة علاجية متفق عليها معه. وبالمحاولة يكتشف المصاب أن بإمكانه فعلا السيطرة على خوفه. وبالذهاب المستمر إلى تلك الأماكن برفقة أولا ثم على انفراد، خارج الزحام في البداية ثم مزدحمة يتمكن من تخفيف القلق الناتج عن ذلك أو من التغلب عليه. وهكذا فإن الكثيرين من المصابين برهاب الأماكن العامة يمكنهم أن يتحسنوا بتعريض أنفسهم لتلك المواقف المسببة للرهاب، والتعود عليها تدريجيا. ثانيا العلاج الدوائي باستعمال أدوية محددة تسمى مثبطات إعادة تثبيت السيروتونين، والتي ثبتت نجاعتها أيضا في علاج الاكتئاب واضطرابات القلق الأخرى. وقد أثبتت الدراسات بأن الجمع بين النوعين من العلاج يؤدي إلى التحسن الكبير أو الشفاء في معظم الحالات.