هوية بريس – الثلاثاء 08 مارس 2016 بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين، أحبابي الكرام: الناس في هذه الدنيا لهم عدة مشارب، ولهم مذاهب شتى ومسارب، وكل ذلك يرجع إلى ما رُكِزَ فيهم اكتسابا، أو ما اختاروه توجها وانتسابا، أو بفعل التحوير والتزوير، وقلب علامات التشوير، أما الأصل في الفطرة فهو النقاء والصفاء، كما جاء في الحديث القدسي (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي مالم أُنْزِلْ به سلطانا)، والحنف هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة، يقال: تَحَنَّفَ فلان، أي: تحرى طريق الاستقامة. قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فالفطرة السليمة توافق الشرع وتحتضنه وتتماهى معه، لما تجد فيه من توازن وانسجام بين مطالب الروج والجسد، أما الفطر المنتكسة أو التي تعرضت لعوامل التحريف والتزييف، فترى في الشرع قيودا وأغلالا لا تني تحاول التخلص منها، بل وتحاول نشر هذا الزيغ الفكري الذي هو وليد تراكمات تناثرت من هنا وهناك. فتنطلق التهم يمنة ويسرة، ما بين وصف الإسلام بالتطرف، ووصف أصحابه بالإرهاب أو التخلف والرجعية وكلها مجرد تهم لا تستند إلى أساس، وإنما مردها إلى الجهل أو الحقد أو الالتباس، وأغلب هؤلاء الذين يطلقون هذه التهم ما قرأوا قرءانا، ولا فهموا سنة، ولا عرفوا سيرة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، الذي جاء رحمة للعباد، ودعا الناس إلى الله بغاية السداد، صاحب الخلق العظيم الذي شمل الجميع، موافقهم ومخالفهم، لم يفتح صلى الله عليه وسلم العقول والضمائر بالسيوف والخناجر، بل فتحها بالبينات والبصائر، حذر عليه الصلاة والسلام من القتل غاية التحذير، من ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم (لا يزال الرجل في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما)، ونهى عن قتل غير المسلمين فقال: (من قتل نفسا مُعاهَداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)، والمراد بالمُعاهَد من له عهد مع المسلمين، كمن يقيم بين المسلمين، أو يتردد عليهم، لأن الإذن الممنوح له من ولي الأمر بالدخول هو عهد أمان له، وكذلك المسلم الذي يقيم بين ظهرانيهم لأن بينه وبينهم عهدا وأمانا، وأما قتل المُعاهَد خطئا فقد أوجب الله فيه الدية والكفارة، قال تعالى: (وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مومنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليما حكيما)، فكيف يوصف ديننا بأنه دين سفك الدماء! سبحانك هذا بهتان عظيم. نبينا صلى الله عليه وسلم كان إماما في تطييب الخواطر، فعن ابن بشر بن غزية قال: (استشهد أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال لي: أسكت أما ترضى أن أكون أنا أبوك وعائشة أمك؟ قلت: بلى، بأبي أنت وأمي يا رسول الله). نبينا صلى الله عليه وسلم كان إماما في الرقة والرقي، عن رجل من العرب قال: (زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفحني نفحة بسوط في يده، أي، ضربة خفيفة، وقال: بسم الله أوجعتني، قال: فَبِتُّ لنفسي لائما أقول: أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَبِتُّ بليلة كما يعلم الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول: أين فلان؟ قال: قلت هذا والله الذي كان مني بالأمس، قال: فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس فأوجعتني، فنفحتك بالسوط، فهذه ثمانون نعجة فخذها بها) بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أرحمك وألطفك وأرقك، ،كيف يكون دين هذا نبيه دين قتل وترويع وتطرف! سبحانك هذا بهتان عظيم وعلى نفس المنهج النوراني سار الخلفاء، فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على فراش الموت يوصي من سيخلفه، وهو لا يعرف من سيخلفه، ولكنه يعرف ما يجب أن يفعله الرجل الذي يليه في حكم الأمة، فذكر طوائف من المسلمين لها منزلتها، ثم قال للخليفة المرتقب: (وأوصيه بذِمَّة الله وذِمَّة رسوله (يعني ما يسمى في عصرنا بالأقليات الدينية..)، أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم)، تأملوا رعاكم الله، خليفة نبي كريم يوصي وهو يموت بمخالفيه في الدين ومعارضيه في المعتقد، فيصفهم أولا بأنهم ذمة الله وذمة رسوله، متناسيا الخلاف القائم في أصل الإيمان، ثم يطلب من الحاكم المقبل ثلاثة أمور: أولا: الوفاء بعهودهم، ثانيا: إقامة سياج يمنع كل عدوان عليهم، ثالثا: لا يكلفون إلا بما يطيقون. هل وعى التاريخ إلى يوم الناس هذا أشرف من هذه المعاملة؟ وهنا لا بد من سؤال، بماذا قوبل هذا المسلك النبيل؟؟ يجب أن نكون منصفين في تعاطينا مع الأشياء، فذلك ما يَدَّعيه كل متكلم أو كاتب على اختلاف المشارب، هل نحن ضد التطرف؟ بدون أدنى تردد، نعم كلنا ضد التطرف، لماذا؟ لأن ديننا العظيم لا يحتفظ بأدنى ود للمتطرفين، ولم تتوقف تشريعاته تلاحق المتطرفين وتقتلع خيامهم، وتدك قلاعهم، وتبطل حججهم، ومن كان الإنصاف حليته، والحق بغيته، فسيجد ذلك منثورا بين ثنايا هذا الدين المجيد، أما إذا كان المتحدث أو الكاتب مثقلا بأحقاد مسبقة، فإنه يخلط بين الإسلام وبين التطرف، وقد تختلف الدوافع لذلك، ما بين حقد أو جهل بالإسلام وتشريعاته، إننا في البداية لا بد أن نتفق على أمر محوري، وهو أن الإسلام دين الله، وأن القرءان كلام الله، وأن سيدنا محمدا رسول الله، فإذا كنا متفقين على هذا الأمر، فإن الاختلاف ساعتها سيكون اختلاف أفهام، وعندها يكون المرجع إلى أهل العلم وأصحاب الاستنباط، لتصويب التصورات، ونفي التحريفات، أما إن كان الخلاف في تلك الثوابت التي تُلْبِسُ الإيمان أو تَنْزِعُه، فإن الحوار عندها سيكون له طابع آخر، طابع الإقناع وما يدور في فلكه. أما ونحن بفضل الله نؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، فإن انتزاع التصورات الخاطئة سيكون من السهولة بمكان، وذلك بالاحتكام إلى هذا الدين الذي ارتضيناه، وإلى القرءان الذي آمنا أنه كلام الله، وإلى النبي الذي آمنا أنه رسول الله، وهذه دعوة قرآنية، ومنهج رباني (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تاويلا)، (إنما كان قول المومنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وأولئك هم المفلحون)، (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). أكبر من يسيئ إلى هذه الأمة، هو من يريد أن يحجب عنها الإسلام الصحيح الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسار عليه الصحابة من بعده، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الحل أيها الأحباب أن يعرف الجيل الإسلام على حقيقته الناصعة الصافية التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتي قال في حقها: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)، وعندها سيدرك كل متطرف من الذين يشوهون الإسلام بسوء فعالهم، أو من الذين يقتنصون الفرص للطعن في دين الله، أنهم أبعدوا النجعة، وزاغوا عن المحجة.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.