من خلال تجربتي في التعليم العالي؛ التي امتدت لقرابة ثلاثين سنة؛ يتبين لي أن التعليم الجامعي، يحتاج إلى جملة من الإصلاحات، منها: أولا: نقل مباراة ولوج إطار أساتذة التعليم العالي المساعدين، من المؤسسات الجامعية، إلى الوزارة عبر مباريات وطنية، تشمل امتحانا كتابيا، وآخر شفويا، ينقسم بدوره إلى أسئلة معرفية، وتقديم درس كامل في التخصص أمام اللجنة العلمية، التي يكون أفرادها من مؤسسات جامعية مختلفة. بهذه الطريقة، يمكن أن نضمن مزيدا من الشفافية والمصداقية، لمثل هذه المباريات. ثانيا: لا يمكن الاستمرار في التعليم الجامعي، في اعتماد المؤهل المعرفي وحده، في إسناد مهمة التدريس للأساتذة الجدد. لا بد بعد قبول الأساتذة الجدد، من جعلهم يستفيدون من تكوين بيداغوجي لمدة سنة كاملة؛ خصوصا إذا كان الأساتذة الجدد، لم يسبق لهم أن درسوا بالتعليم المدرسي. التكوين البيداغوجي؛ صار ضرورة لا مندوحة عنها في التعليم الجامعي؛ لأن التدريس علم قائم بذاته، ولا يمكن ممارسته بطرق علمية، إلا عن طريق التكوين البيداغوجي. التدريس خارج علم التدريس؛ يعيد فيه الأستاذ، التدريس بالطرق التي تعلم بها، عندما كان تلميذا، ثم طالبا. التدريس خارج علم التدريس؛ ممارسة انطباعية، وارتجالية، لا تفيد كثيرا في بناء المهارات التي يحتاج إليها الطلبة. ثالثا: ينبغي القطع نهائيا مع الترقي بالأقدمية؛ فهذا الوضع لا يلائم التعليم الجامعي. الترقي؛ ينبغي أن يكون خاضعا فقط لما يقدمه الأستاذ من أبحاث علمية محكمة. وإذا لم يستطع الأستاذ أن ينتج ما يكفي من الأبحاث العلمية؛ فينبعي أن يظل في إطاره، لا يبرحه، ولا يتحرك منه قيد أنملة. ما يميز الأستاذ الجامعي، عن الأساتذة الآخرين في الأسلاك التعليمية بالتعليم المدرسي؛ هو الهامش الذي يعطى له من الوقت، للقيام بالأبحاث العلمية. فإذا اقتصر في مساره على التدريس فقط، فلا يحق له أن يأخذ التعويضات الخاصة بالبحث العلمي. رابعا: ينبغي في نظري، إعادة النظر في تكوين اللجان العلمية بالمؤسسات الجامعية، التي تتولى النظر في ملفات ترقية الأساتذة الباحثين. اللجان العلمية، ينبغي أن تضم أعضاء من خارج المؤسسة الجامعية، ومن خارج الجامعة؛ ضمانا لمزيد من الشفافية والمصداقية. في بعض الجامعات في المشرق؛ تحال ملفات الترقية، على أساتذة من خارج الدولة. خامسا: ينبغي في نظري؛ أن يشجع الأساتذة المجتهدون، بتحفيزات مادية ومعنوية. إذ ليس من المعقول، أن نسوي بين من اجتهد، وأنجز بحوثا متعددة، أو كتب كتبا متعددة، وبين من أخلد إلى الأرض، ولم يؤلف كتابا واحدا في تخصصه. ما يميز الأستاذ الباحث في التعليم العالي؛ هو البحث العلمي. فبه يتميز، وبه يعلو، وبه يحفز. ودون ذلك،فلا تميز، ولا إبداع. سادسا: ينبغي وضع استراتيجية، طويلة الأمد للتكوين المستمر. إذلا يعقل أن يمضي الأستاذ عقودا في التدريس، بدون مشاركة في التكوين المستمر. وهذا الأمر، هو من مسؤولية الوزارة، ومسؤولية الجامعات. التكوين المستمر يمكن أن يشمل: 1- التكوين في علم النفس التربوي؛ الذي يساعد الأساتذة على معرفة خصائص الفئة المستهدفة من الناحية السيكولوجية؛ 2- علم التدريس؛ حتى يأخذ الأساتذة بحظ وافرا منه؛ على مستوى الأهداف التربوية، وطرق التدريس، والوسائل التعليمية، وطرق التقويم والدعم. 3- توظيف الوسائل التعليمية الحديثة في بناء الدروس؛ 4- الاستفادة من الطرق الحديثة في التواصل؛ 5- تعميق المكتسبات في اللغات الحية؛ كالأنجليزية، والصينية، وغير ذلك مما يعين في البحث العلمي. سابعا: مساعدة الأساتذة المجتهدين في طبع بحوثهم، ونشرها داخل المغرب وخارجه. إذا لا يعقل أن يتولى الأستاذ بعد إنجاز كتاب، طبعه ونشره من ماله الخاص. وحتى وإن نشره بماله الخاص، فإن ذلك يكون بأعداد محدودة جدا، لا تفي بالغرض. تعرض الكتب على لجان علمية متخصصة، وممارسة للبحث العلمي. فما تم قبوله، تتولى الجامعات طبعه، ونشره على نطاق واسع، مع تخصيص تحفيز مادي للأساتذة الذين تم قبول أبحاثهم. ثامنا: ينبغي إعادة النظر جملة وتفصيلا في طرق التقويم المعتمدة الآن في الجامعات. أغلب الامتحانات في الجامعة، تركز على جانب استرجاع المعلومات المحفوظة. الأسئلة في الغالب الأعم معرفية،تدور على الصيغ التالية: ما هو؟ ما هي؟ اذكر… أجب عن أحد السؤالين التاليين… الأسئلة، كما هو مقرر في علم التدريس، وفي علم التقويم؛ ينبغي أن تشمل ما هو معرفي، وما هو مهاري، وما هو قيمي سلوكي. وما ينبغي أن يقف التقويم بالجامعة، على التقويم العددي الجزائي، المرتبط بالنقطة. التقويم الحقيقي؛ هو الذي يقصد إخبار المتعلمين بمواطن قوتهم، ومواضع ضعفهم، ثم ينتقل بعد ذلك لتقديم طرق الدعم التي تساعد على تجاوز التعثرات والصعوبات. ينبغي عقب كل امتحان، أن تؤخذ عينات من أوراق الامتحان؛ لدراسة الأخطاء التي يرتكبها الطلبة، بعد تصنيفها، ومعرفة أسبابها، والبحث عن طرق علاجها، وسبل تجاوزها. لا يتم الانتقال إلى الدورة الموالية، إلا بعد تخصيص حيز كاف، لما يسمى بالتقويم التكويني. المشكلة الآن في الجامعة، وخصوصا في المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح؛ أنها تصرف وقتا طويلا في التقويم بدون فائدة. فائدة التقويم الأساسية؛ هي مساعدة المتعلمين، على تطوير أدائهم، وتجويد مستواهم، وتصحيح أخطائهم. فإذا لم يؤد التقويم هذه الوظيفة، كان بلا جدوى، وبلا قيمة. يحتاج التقويم في الجامعة المغربية، إلى تغيير جذري، وسريع. كفى من ضياع الوقت، وهدر الزمن الجامعي. تاسعا: ينبغي الزيادة في عدد الأساتذة في التعليم الجامعي. منذ عقود خلت، وهذا القطاع يشكو من قلة عدد أطره التربوية. قلة الأساتذة، وكثرة الطلبة؛ يؤثر سلبا على التكوين العلمي للطلبة، ويجعل المخرجات لا تحقق الأهداف المرجوة. يتبع…