إن للإعلام دورا محوريا في تطويع العقول وقلب الحقائق وبثّ الأراجيف، والتطبيع مع المنكرات على نحو ممنهج يعرضها على عقل المتلقي عبر دفعات في قالب درامي جالب للتعاطف مع شخصية مزدراة في بنية مجتمعية معينة، فيحيلها رمزا للتضحية والبذل والعطاء في خضمّ تنكّر المجتمع لفضلها وسعيه الحثيث لإقصائها، لكنّها ما تلبث أن تَثبث على مبادئها الشريفة! مجابهة قِوى المجتمع الغاشم الذي بخسها حقّها وأنكر فضلها، ووضع دونها العراقيل والمطبات في سبيل إثبات نفسها كشخصية مؤثرة لها فضل في تربية الأجيال وبناء القيم! لقد نجح الإعلام إلى حدٍّ بعيد – وفق ترسانة رهيبة وإنتاجات مركزة مكثّفة – أن يُهذّب الشاذ المستورد من ثقافات مغايرة ويُلحقه بالقاعدة العامة المعهودة متوسلا في ذلك ببرامجَ ومسلسلات تبثُّ هذه الأفكار المستنكرة بطرق ناعمة تجسّدها شخصيات من داخل البلد المستورِّد لهذا المنتوج الدرامي، وبلسانهه، ليتم تدجينه وفق معايير مدروسة، تُصرَّف على منوالها كميّة رهيبة من أفكار هدّامة، وأراء مغرضة، غايتها التطبيع مع الرذيلة وإحلال الفاحشة مكان الفضيلة، وجعل هذه الأخيرة وصما شائنا لا يعتصم به إلا من تخلّف عن ركب الحضارة وجَعل الرجعية لنفسه مذهبا ومؤلا، حتى إذا ما برز داع الخير ونبّه الناس لموطن الضلال ومرتع الخبال، وضرب لذلك أمثلةً هي من صميم الهوية وجوهر الملّة، تداعت عليه المواقف المستنكرة المشجبة، شعارهم الخالد (أخرجوا ءال لوط من قريتكم إنهم أنساس يتطهرون)! ذلك لنعلم أن الحق رغم قلة سالكيه أبلج، وأن الباطل وإن تعددت سبله وإمكانيات تصريفه لجلج، وما هي إلا أن تُنطق كلمة الحق حتى تطغى على الباطل وتمحقه وتجرّده من بهرجه، فيظهر للناس على حقيقته، بشعا شنيعا مستقذرا، تمجّه الأنفس وتتبرم منه الطبائع السوية التي رضعت لبان الأخلاق الإسلامية منذ الاستهلال الأول، فكل مولود يولد على فطرة الإسلام، كما أخبر نبينا عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم. وفي غمرة الملمات ولجة المدلهمات تتمايز المواقف وتتضارب المبادئ، بين صادق لم يزده تغوّل أهل الزيغ والضلال إلا ثباتا ورسوخا، صابرا على الأذى محتسبا أجره عند مولاه سبحانه وتعالى، وبين من غلبته شقوته وعبّدته شهوته، فانساق يلهث خلف بهرج زائف مُمَنّيا نفسه بالغُنم الجزيل والثناء الجميل، راميا سِحر أعين الناس واسترهابهم بمنطق متهافت، متضعضع الأركان مرتخ المفاصل يبرأ بعضه من بعض، ولسان كذوب يتزيى بزي المخاتلة الصرفة والخداع الصُّراح يكون عليه حسرة فينقلب مدحورا وهو حسير. وما ذلك إلا للأصل الطيّب في أبناء دين الإسلام الذي يؤهلهم لآن يُنيبوا إلى الحق مذعنين طائعين، وإن أبعدت بهم الغواية واجتالتهم شياطين الإنس والجن واشتطت بهم الرذيلة في متاهات الحيرة، فإن بذرة الخير في تربة قلوبهم ما تلبث أن يَخرج نباتها وتستوي على سوقها، إن وجَدت من يتعهّدها بالسُّقيا ويحوطها بالعناية. وعلى هذا الأساس، استُهدفت هذه الشريحة العريضة من المسلمين عبر وسائل سمعيةٍ بصرية للحيلولة بينهم وبين دعاتهم وعلمائهم، مستعيضين عنهم بنماذج شاذة، وقدوات سمجة، سخَّروا في سبيل منحها قيمة مضافة أنواعا من التزوير والتحوير، ثم قدّموها للمشاهد على أساس كونها قدوات حقيقة بالاحتداء! غير أنهم لن يعدموا في كل مرة من يتتبّع عِوارهم ويكشف للناس زيفهم ويعمد لبنيانهم المتهافت فيأتي عليه من القواعد، ويسوّيه بالأرض والله يقول الحق ويهدي السبيل.