هوية بريس – الإثنين 08 فبراير 2016 لن أتحدث عن آخر هجمة لمحكمة التفتيش العلمانية وآخر ضحاياها… فقصة توقيف الشيخ يحيى المدغري وهو باحث مسلم وواعظ خطيب في وزارة الأوقاف التي طالما استمعنا منذ صغرنا لخطبها الموزعة على الأئمة يوم الجمعة حول الكوارث الطبيعية وربطها ولو جزئيا بالذنوب والمعاصي، ثم رأينا وسمعنا كيف انقلبت على نفسها فجأة محاباة لقوم أو ضعفا أمامهم… إذن لن أتحدث عن قصة توقيف ذلك الرجل فهي معلومة بل مفضوحة الأركان والزوايا والخبايا… بل سأجعل حديثي يتجاوز تلك الحادثة المفردة التي لا تمثل غير خط من الخطوط إلى الكشف عن اللوحة الجهنمية كاملة والتي يسعى فنانو ومهندسو محاكم التفتيش العلمانية إلى رسمها كاملة بعد أن يهيئوا الجو النفسي والواقعي لإخراجها للمغاربة علنا دون ديماغوجية ممجوجة او تقية ماكرة… وإن كان بعض كبارهم قد أعلنها بصيغة غامضة مبهمة حين تهدد الإسلاميين بأنه جاء لمحاربتهم دفاعا عن دين المسلمين!!.. -وهذا القعقاع بن عمرو؟!- وقد قالها قوم قبله… فمنهم من هدى الله بعدما تبين لهم سبيل الحق ومحجتُه اللاحبة فأصبحوا مدافعين عنه وقد كانت نيتهم الهجوم، ومنهم من ارتكس وانتكس وفضح نفسه على رؤوس الخلائق وحتى رؤوس الأقلام . فزلات ألسنتهم وأسلات أقلامهم صارت دليلا على خطتهم، التي لا هم لأصحابها سوى وضع اليد مع كل طاغوت شخصي او فكري او مادي لمحاربة الإسلام حربا هجومية، تبتغي هدم كتابه ومنهاج نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك حدسا منا أو قراءة لما وراء السطور والكلمات والوجوه، بل يقينا تكشفه ألسنتهم وكتاباتهم محادَّاة لإحكام الله الواضحة التي لا يحق لأي كان تحريفها معنى ودلالة بعدما عجز قبلهم أقوام عن اختراقها تزويرا بشتى وسائل المكر… والوضع… أحكام لا يمكن الزعم بالاجتهاد مع وضوحها وقطعية دلالتها وثبات فرْضِيتها مثل آيات المواريث التي تمثل بنية متينة داخل أحكام الله المتعلقة بقضايا الفرد والأسرة والمجتمع والرجل سواء كان أبا او أخا او زوجا او ابنا والمرأة سواء كانت أما او أختا او زوجة أو ابنة… وهي أحكام متداخلة مع أخوات لها تنظم شؤون تلك القضايا… وما يتفرع عنها او يستجد منها… ذلك مَثل وشبيه به تلك الدعاوى التي تنفي حرمة بعض ما حرمه الله ورسوله والمؤمنون تواترا عن تواتر… وليس إجماعا أصوليا… بل إجماعا شعبيا طبقة طبقة وفردا فردا ..فزعم المجتهدون جدا… أن الخمر والمسكرات حلال بلال… سائغ شربها… بل إن البغاء جائز لأنه ليس بمعنى الزنا… وعجائب نسي القزويني ذكر أصحابها ضمن المخلوقات العجيبة التي تستحق التعجب والاستغراب! هذه أمثلة من أمثلة كثيرة يبتغي أصحابها تلاعبا بأحكام الكتاب البينة في صيغة دعاوى مشبوهة للاجتهاد… ولو كان الأمر يتعلق باجتهاد حقيقي معقلن ومشرعن… لقلنا: هلم ومرحبا… اجتهدوا ونحن معكم من المجتهدين بل ونحرضكم على الاجتهاد الحق… ولكننا نعلم أحجام تلك الرؤوس التي تزعم ذلك الدجل الاجتهادي البعيد… نعلم أحجام عقولهم والقِبلة التي تسجد جهتها… وأدوات التحكم من وراء البحار التي تُصدر لها الإشارات ومعها ما تيسر من الدولارات في صورة معونات… وما هي بمعونات… والحقيقة أنني افترضت بهم حسن الظن وصفاء السريرة… فتتبعت حفريات اجتهاداتهم… وأبعاد أفكارهم ومآلات مذاهبهم… إلى أن وقفت مشدوها أمام المكر المتزحلق على ألواح الاجتهاد المزعوم الذي تكون نهايتُه كلما بدلتُ طريقةَ قراءة أفكارهم متهِما لنفسي بالتسرع والخطأ…تكون نهايتُه في كل كرَّة هي الفكرة الْتَداعَى إليها مِن قبلهم مفكرون أمثال : نصر حامد أبو زيد الذي يقول بالحرف العربي الفصيح في كتابه: "نقد الخطاب الديني".. طبعة أولى سينا للنشر-1992… في الصفحة 198:… (وإذا كانت النصوص الدينية نصوص -والصواب نصوصا- بشرية بحكم انتمائها للغة والثقافة في فترة تاريخية محددة هي فترة تشكلها وإنتاجها وليس نزولها من الله عز وجل فهي بالضرورة نصوص تاريخية..)، وما بين عارضتين من كلامي… وما دامت نصوص الوحي تاريخية وبشرية!!.. يقول في نفس المرجع ص106: (فليس من المقبول أن يقف الاجتهاد عند حدود المدى الذي وقف عنده الوحي، وإلا انهارت دعوى الصلاحية لكل زمان ومكان من أساسها، واتسعت الفجوة بين الواقع المتحرك المتطور وبين تلك النصوص التي يتمسك الخطاب الديني المعاصر بحرفيتها )… ومعنى كلامه ولازمه هو أن الوحي ليس نهاية الأحكام وثباتِها وإنما لكونه تاريخيا… ينبغي تطويره بما نضيفه إليه من مستجدات العقول وأطروحاتها… هذا كلامه لم أنقص منه حرفا… ولم أكفره ولم أخرجه من الملة ولكن الموضوعية ألزمَتني تقديم كلامه دون الحديث عن شخصه فقد رجع إلى ربه وهو يحكم فيه بما يريد… حين نقرأ هذا الكلام ونحيط علما بذلك التصور العلماني الخطير… سندرك او نشْتَمُّ روائح تشبه ما يصدر منه ونحن نقرأ أو نسمع لبعض العلمانيين المغاربة… كأمثال أحمد عصيد والكحل.. والعماري (صاحب التهديد العجيب المريب)… وغيرهما كثير.. ولكنني ذكرتهم بالخصوص لأن عصيد والكحل استمعا وتلقيا مباشرة من شيخهما الأكبر سيد القمني الذي خرس لسانهما أمام (حضرته) وهو يكرر لازم كلام أستاذه أو صديقه في الطريق والوجهة الفكرية نصر حامد أبو زيد، حذو القذة بالقذة… بل وزاد عليه لصفاقة وجهه وغلظ قفاه بإضافة توابل من السخرية والاستهزاء بالله وكتابه ورسوله وتاريخ الصحابة… بينما كانا في غاية الاندهاش والانشداه أمام ما يلقيه وكأنهما تلميذان خاويا الوفاض فارغا صفحة العقل… دون أن يردا عليه بعضَ شعبذاته أو يفككان وينتقدان -كما هي دعواهما- ترهاته التي يقع على أقفائهم الصبيانُ ضحكا وهم يسمعونها… أما لماذا ذكرت العماري فلأن الضيافة بالطاجين المغربي والمشروبات المتنوعة نهار رمضان كانت على حساب حزبه وكرمه اللامحدود… ولعلها صيغة من صيغ محاربة الإسلاميين والنكاية فيهم وليس محاربة الإسلام… كما ذكر في خطبته التاريخية العصماء، التي شاهدناها وكنا يد (امرأة ) واحدة في تلقيها؟؟ ترى هل بدأت معالم اللوحة الجهنمية تنكشف وتنجلي…؟… الحقيقة أن القارئ المتتبع لكثير مما يكتبه أو يقوله المحسوبون علانية على التيار العلماني في المغرب وتحرشاتهم الكثيرة والغير مستساغة في كثير من الأحيان، وركوبهم موجة بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الباحثين الإسلاميين، أو الخلط بين العقلاء والمتطرفين… لعل القارئ يشعر شعورا قويا من كتاباتهم وتصريحاتهم وخططهم الرامية الى تكميم أفواه وحرية الرأي الآخر وأصحابه… كل ذلك أعتقد أنه يكشف عن تلك اللوحة الجهنمية التي تتوسطها لو دقق القارئ المتفكر البعيد الغور جملةً تٌعَبِّر عن مجموع تصور العلمانيين المغاربة وخطواتهم الحثيثة وسوابقهم السالفة… وهي الإعلان عن موجة محاكم التفتيش العلماني… التي يعلم الله وحدها نتائجها الوخيمة على هذا الوطن الآمن تحت ظلال شعب متسامح ودستور يقف على أساس إسلامية المملكة وإمارة المؤمنين… ولله عاقبة الأمور.