المنظومة الربوية العالمية تطورت حقيقة خلال القرنين الماضيين حيث كان المرابون من قبل أفراد ولم يكن الاقتصاد مبني هيكليا على الربا. لما صار نظام خلق الائتمان وإصدار النقود بمستوى يتجاوز الأرصدة البنكية من الذهب، ثم انفك عنه، بات من الضروري على الشركات والدول الزيادة في إنتاجها لتغطية تكاليف الفائدة. ومعلوم أن الفوائد تقطع من القيمة المضافة، وبالخصوص من الأرباح. ومعلوم أن النمو الاقتصادي ليس دائما ايجابيا، بل قد يتراجع الإنتاج بسبب حرب أو وباء أو نقص في الطلب العام، وهذا لا يستوعبه إلا نظام المشاركة بين قوسين. فإذا اشترى الإنسان منزله، أو سيارته، صار من البديهي أنه لا يبذل وسعه لشراء منزل ثان أو سيارة ثانية. لكن البنوك المقرضة للدول والشركات والأفراد لا تتوقف عن احتساب الربا للمقترض، فيصير الشركات في البحث عن زيادة الاستهلاك. لكن إن كان الاستهلاك المعقول محدود بالحاجيات، فالاستهلاك العاطفي غير محدود إلا بالخيال الغرائزي والشهوات اللامتناهية. فلما كان باب الاستهلاك المعقول صغيرا بقي باب الاستهلاك العاطفي واسعا، وكان احتساب الفوائد لا يتوقف سنة وراء سنة، ضغطت الشركات على مسوقيها وأصحاب الإعلانات لجذب أكبر عدد من الزبناء في أقصر وقت. وكذلك توسعت الشركات العالمية أكثر لزيادة مبيعاتها. ولما كانت الفاحشة والتبرج وإثارة الشهوات والعاطفة والغريزة والفضائح تجذب الانتباه، والانتباه هو صميم ما يبحث عنه المسوق، كان الدفع بهذه المحاور محركاً لانتشار واسع للزندقة والفسق في المجتمعات، والمسوّق معينا على الإثم والعدوان. ولما كان مع كل ذنب ينقص ايمان الإنسان، كان اقترابه للكفر أسرع. لكن بقي الشطر الثاني من النظرية، وهو مرتبط بعلاقة الربا بحتمية النمو والفتنة. فلما بينا في ما سبق أسباب حتمية علاقة الربا بضرورة زيادة الإنتاج كل سنة، لتسديد الفائدة، فهمنا أن الشركات والأفراد والدول يطلب منها كل سنة إنتاج يزيد عن السنة الماضية. ولما امتد هذا لعقود صار عالم الشغل والإنتاج يأخذ من الإنسان كل سنة جهدا ووقتا وتركيزا اضافياً. ولما كان وقت وتركيز وجهد الإنسان محدودا، قل وقته المخصص لطلبه للعلم الشرعي وتعلم التوحيد والايمان والاسلام… والكفر. لأن من لا يعرف الكفر قد لا يعرف الإيمان، إذ بضدها تتميز وتتبين الأشياء. فصار الإنسان يجهل أبجديات الدين. ولو سألته كيف عرفت ربك، أو كيف عرفت صدق نبيك أو كيف عرفت صحة دينك، فضلا عن كيف ترد عن شبهة كذا وشبها كذا أو ما هي نواقض الإسلام التي تخرجه إلى الكفر، وجدت الفؤاد فارغاً، والإيمان هشّاً والعبادة متذبذبة على حرف، إن أصابه خير اطمأن به وإن أصابعه فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. فكانت البشرية عرضة لترسخ الغفلة وانتشار الكفر… فازداد فيها الكفر من جهة الربا بسبب نشر الفسق والفتنة وقلة العلم والوقت المبذول له، بشكل حتمي. وهذا مما لا يتفطن إليه الذي يقول الربا صار حاجة ضرورية، ولا يرى إلا الزاوية الصغيرة من علاقته بينه وبين البنك… وبئس الرأي وقلة بعد النظر. والعياذ بالله من الربا ومن الفتنة والكفر.