بعد تعيين المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالصحراء المغربية، الدبلوماسي المخضرم ستيفان دي مستورا، عاد النظام الحاكم في الجزائر ليضع العراقيل أمام المبعوث الأممي حتى قبل أن يبدأ مهامه، فقد طالبت الجزائر بانسحاب الجيش المغربي من منطقة "الكركرات"، بوصفها منطقة عازلة حسب الرواية الجزائرية.. وهي المنطقة ذاتها التي حوّلتها ميليشيات البوليساريو إلى منطقة للاستعراض والدعاية بعد قطع الطريق الدولي الذي يربط أوروبا بأفريقيا، وهو ما عرّض جزءاً من التجارة العالمية لمخاطر حقيقية استدعت تدخلاً تقنياً للقوات المسلحة الملكية المغربية لإعادة الوضع إلى طبيعته دون تغيير في قواعد الاشتباك، ودون مساس باتفاقية التسوية الذي يمتد إلى تسعينات القرن الماضي. المناطق العازلة يتم إحداثها بقرار من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وتعتبر من بين وسائلها لدعم عمليات السلام وإيجاد حلول للنزاعات ذات الطبيعة الحدودية، حيث إن المناطق العازلة تفصل بين جيوش دولتين متنازعتين، وعادة ما تكون منطقة خالية من أي مظاهر عسكرية ومن السكان أو ذات كثافة سكانية ضعيفة، وقد طبقت الأممالمتحدة هذا الاختيار في عدد من النزاعات الدولية، مثل النزاع بين الكوريتين وبين العراق والكويت وفي قبرص أيضاً. بخصوص الوضع في الصحراء المغربية، فقد شكل إحداث منطقة عازلة شرق الجدار الأمني للقوات المسلحة الملكية، واحداً من مشمولات اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وهي منطقة تشغل حوالي 20% من المساحة الإجمالية للصحراء، وهي في مجملها بين المغرب وموريتانيا. منذ سنوات عرفت هذه المنطقة خروقات من قبل جبهة البوليساريو، سواء في منطقة تيفاريتي أو بئر لحلو أو في منطقة الكركرات والكويرة، جبهة البوليساريو تحاول توظيف حضورها في المنطقة العازلة توظيفاً دعائياً، بل إنها والإعلام الذي يدور في فلكها، تعتبرها "مناطق محررة"، بل بلغ الأمر حد تشييد بعض البنايات واستقدام الوفود الأجنبية لحضور مناسبات يتم تنظيمها في المنطقة، ولعل ما صعّد من التوتر بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد بان كي مون، هو قبول هذا الأخير حضور أحد الأنشطة الدعائية لجبهة البوليساريو بمنطقة بئر لحلو، وهو ما وضع كي مون في موقف حرج، لأن مهامه كأمين عام للأمم المتحدة، تفرض عليه التقيد بالإطار القانوني للمناطق العازلة، لا أن يساهم في خرقها. خلال السنوات القليلة الماضية، تواترت معلومات وأخبار مؤكدة وموثقة، سواء من طرف بعثة الأممالمتحدة للصحراء أو من طرف المغرب، عن انتشار مسلحين تابعين لميليشيات البوليساريو قرب المعبر الحدودي الكركرات، وهذا ما أعاد تأكيده الأمين العام للأمم المتحدة في التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن الدولي قبل أيام. معبر الكركرات هو المعبر الحدودي الذي يربط بين المغرب وموريتانيا، وقبل سنوات تم نشر صور لقادة من الجبهة مع تجهيزات عسكرية خفيفة على ساحل المحيط الأطلسي، كل هذه المعطيات تؤكد أن جبهة البوليساريو تراهن مراهنة كبيرة على الجانب الدعائي في تحركاتها في المنطقة العازلة، لأن مهمة قطع الإمدادات وعزل تلك القوات في منطقة الكركرات عملية بسيطة من الناحية العسكرية في ما يخص القوات المسلحة الملكية، وهو ما قامت به فرق الهندسة التابعة لها في ساعات قليلة، لكن الأمر لا يشكل تحدياً عسكرياً أو أمنياً، ولكنه تحد سياسي وإعلامي، واجهه المغرب بحزم وذكاء، خاصة أن البوليساريو ومن ورائها الجزائر هددت أكثر من مرة دون أن تستطيع تنفيذ فكرة نقل مخيمات تيندوف إلى المنطقة العازلة التي تعتبرها زيفاً محررة، من جهة لأن الجبهة والجزائر يستعمل أن مخيمات اللاجئين في تيندوف للدعاية وللإتجار في المساعدات الإنسانية، ومن جهة أخرى لأن المنطقة عملياً ليست سوى منطقة تدخل ضمن السيادة المغربية، وقد تركها الجيش المغربي خالية حتى يتمكن من ملاحقة ميليشيات البوليساريو دون الحاجة إلى التوغل في الأراضي الجزائرية، لكن ليس مستبعداً أن تكون الجبهة تخطط لتحويل جزء من "المنطقة العازلة" إلى "منطقة آمنة"، عبر السعي لاستصدار قرار لمجلس الأمن، وذلك بهدف حماية المدنيين ومراقبة حقوق الإنسان وحقهم في التوصل بجزء من ثروات المنطقة، وذلك في انتظار الحل السياسي الذي يبدو أعقد من أي فترة سابقة، بسبب عدمية الموقف الجزائري. يبقى التساؤل عن الدور الموريتاني في كل ما يجري، خاصة أن أزمة الكركرات الأخيرة تسببت بأزمة في ما يتعلق بتموين الأسواق الموريتانية التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الصادرات المغربية، ذلك أن أي تحرك مسلح لجبهة البوليساريو لا يمكن أن يتم في المنطقة العازلة ضداً على إرادة نواكشوط، لذلك نشهد اليوم تقدماً كبيراً في العلاقات المغربية الموريتانية، وهو ما أضحى يزعج حكام المرادية في الجزائر. في نواكشوط هناك جزء كبير من النخب الموريتانية تريد علاقات جيدة مع المغرب. في المقابل، هناك جزء آخر مرهون بما يقرره حكام المرادية، لهذا فإن حضوراً وازناً للبعد الموريتاني في العلاقات الأفريقية للرباط، يساهم في نزع "لعبة" المناطق العازلة من يد النظام الجزائري.