هوية بريس – الخميس 31 أكتوبر 2013م إذا دققنا في الصورة جيدا فسنجد أن استقامة المواطن تتوزع على ثلاث دوائر، واحدة تتعلق بأخلاقه الخاصة وفضائله كإنسان مهذب أو منافق أو كذوب أو غير ذلك. وواحدة تتعلق بأخلاقه المهنية التي تختلف بأخلاق المهنة أو الحرفة، وثالثة وثيقة الصلة بسلوكياته كمواطن، وهذه السلوكيات تتراوح بين التزامه بالقانون واحترامه للنظام العام، وبين انتظار دوره فى الطابور وعدم إلقائه للقمامة في الشارع، والمواطن الصالح حقا هو من تتكامل عنده هذه الدوائر التي تشكل أركان فكرة «الاستقامة». والمشكلة عندنا تكمن في أننا نفصل فيما بينها ولا نقيم وزنا لتكاملها، فعلى سبيل المثال الحكومة التي لا تفي ببرامجها الإصلاحية لا تعاقب من طرف القضاء الذي يسهر سوى على نزاهة الانتخابات؛ وكبار المسئولين الذين يتربحون من وظائفهم أو تثبت بحقهم أية انحرافات أخرى يظلون في مواقعهم. ولا أحد يدرك أن من شأن ذلك، تغييب النموذج الذي يجسد فكرة الاستقامة عند الناس، ليس ذلك فحسب وإنما يتحول المنحرف بمضي الوقت إلى بؤرة لإشاعة الانحراف والفساد في المجتمع، وما نشاهد عن البرلمانيين في جلساتهم لا يمت بصلة لأخلاق مهنية أو أخلاق المواطنة، لأنها خالية من اللمسات الإصلاحية ولا علاقة لها بالمنافسات السياسية. إذ في الوقت الذي يقدم فيه المرشحين أنفسهم إلى الناخبين في الصورة التقليدية كممثلين عنهم وعن مصالحهم، ويجتهدون في الالتقاء بالناخبين في أماكن تجمعاتهم، فإن الحقيقة تثبت العكس أي تحويل الصوت الانتخابي إلى سلعة، بحيث صار مثل البضائع المعلبة التي يفقد صاحبها الأصلي علاقته بها وتأثيره في مصيرها. مثلما يقع في الانتخابات الجماعات المحلية التي تعزز جراراتها وشاحناتها لترصيف الأزقة ذي الكثافة السكانية ليفوز مرشحوها بأكبر عدد من الأصوات ثم يختفون عن الأنظار وكأنهم أشباح لا عقلية صالحة، ولا أخلاق مهنية، ولا مستوى سياسي، ولا برنامج تنموي لبعض مسيري هذه الجماعات، ولا فهم لطبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع المدني والواقع السياسي والاجتماعي للدولة، ولا برامج دراسية تتعلق بالتنمية المحلية، وتطلعات المواطنين وإمكانيات مشاركتهم في تدبير الشأن المحلي، وانعدام القدرة على تحقيق تمثيل حقيقي ذو قوة اقتراحية وضاغطة في اتجاه الاعتماد على المواطنين في كل ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي، لأن أي إستراتيجية تهدف إلى خلق تنمية مستدامة لن تتأتى إلا عبر مواطن صالح ومسؤول وغيور على وطنه. إن المؤشرات التي نراها بأعيننا تقلقنا على المستقبل أكثر مما تطمئننا عليه، ومن ثم فإنها تشيع بيننا الإحباط واليأس أكثر مما تجدد فينا الأمل أو تقوي فينا العزم، فمتى نفرح باكتساب قوة ضاغطة من المواطنين الصالحين؛ الحري بهم أن يقودوا هذا الوطن إلى النهضة والصلاح الحقيقي؟