إذا دققنا فى الصورة جيدا فسنجد أن استقامة المواطن تتوزع على ثلاث دوائر، واحدة تتعلق بأخلاقه الخاصة وفضائله كإنسان مهذب أو منافق أو كذوب أو غير ذلك. وواحدة تتعلق بأخلاقه المهنية التى تختلف بأخلاق المهنة أو الحرفة، وثالثة وثيقة الصلة بسلوكياته كمواطن، وهذه السلوكيات تتراوح بين التزامه بالقانون واحترامه للنظام العام، وبين انتظار دوره فى الطابور وعدم إلقائه للقمامة فى الشارع، والمواطن الصالح حقا هو من تتكامل عنده هذه الدوائر التى تشكل أركان فكرة «الاستقامة». والمشكلة عندنا تكمن فى أننا نفصل فيما بينها ولا نقيم وزنا لتكامله. فعلى سبيل المثال الحكومة الذى لا تفي ببرامجها الاصلاحية لا تعاقب من طرف القضاء الدي يسهر سوى على نزاهة الانتخابات، وكبار المسئولين الذين يتربحون من وظائفهم أو تثبت بحقهم أى انحرافات أخرى يظلون فى مواقعهم. ولا أحد يدرك أن من شأن ذلك تغييب النموذج الذى يجسد فكرة الاستقامة عند الناس، ليس ذلك فحسب وإنما يتحول المنحرف بمضى الوقت إلى بؤرة لإشاعة الانحراف والفساد فى المجتمع، وما نشاهد عن البرلمانيين في جلاساتهم لا يمت بصلة لاخلاق مهنية او أخلاق المواطنة، لانها خالية من اللمسات الاصلاحية ولا علاقة لها بالمنافسات السياسية. إذ فى حين أن المرشحين يقدمون انفسهم إلى الناخبين فى الصورة التقليدية كممثلين عنهم وعن مصالحهم، ويجتهدون فى الالتقاء بالناخبين فى أماكن تجمعاتهم، فإن الحقيقة تثبت العكس اي تحويل الصوت الانتخابى إلى سلعة، بحيث صار مثل البضائع المعلبة التى يفقد صاحبها الأصلى علاقته بها وتأثيره في مصيرها .مثلها مثل انتخابات الجماعات المحلية التي تعزز جراراتها وشاحناتها لترصيف الازقة دي الكثافة السكانية ليفوز مرشحيها لاكبر عدد من الاصوات تم تختفي عن الانظار وكانها اشباح لاعقلية صالحة ولا اخلاق مهنية ولا مستوى سياسي ولا برنامج تنموي لبعض مسيري هده الجماعات ولا فهم لطبيعة المرحلة التي يمر فيها المجتمع المدني والواقع السياسي والاجتماعي للدولة، ولا برامج دراسية تتعلق بالتنمية المحلية، وتطلعات المواطنين وإمكانيات مشاركتهم في تدبير الشأن المحلي، والقدرة على تحقيق تمثيل حقيقي ذو قوة اقتراحية وضاغطة في اتجاه الاعتماد على المواطنين في كل ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي، لأن أي إستراتيجية تهدف إلى خلق تنمية مستدامة لن تتأتى إلا عبر مواطن صالح و مسؤول وغيور على وطنه أن المؤشرات التى نراها بأعيننا تقلقنا على المستقبل بأكثر مما تطمئننا عليه، ومن ثم فإنها تشيع بيننا الإحباط واليأس بأكثر مما تجدد فينا الأمل أو تقوى من العزم. .