بداية، وحتى أجعل القارئ الفطن يقرأ هذه الأسطر بتجرد تام عن تلك التمثلات الخاطئة العارية عن الدليل القاطع؛ أُقِرُّ صدقا بعدم انتمائي بالفعل لأي حزب سياسي، وإن كنت لا أنكر التعاطف مع الجهة التي تتوافق مع قناعتي وأفكاري، ولم ولن ألزم أحدا أبدا بأن يكون مثلي ولو تعاطفا. إن سبب ورود السؤال موضوع هذه الكلمة هو ما بات يعرف في صفوف فئات كثيرة من المجتمع، وخصوصا الفئة الجامعية منه من تصنيف القوم على أساس الانتماء السياسي، والأدهى والأمر هو عندما يلجأ البعض إلى إقصاء المنافسين الأكفاء بناء على الاختلاف في التوجه أو الانتماء أو الاختلاف الإديولوجي… وهنا لا أتحدث من فراغ فالصور والأمثلة التطبيقية كثيرة، لكنني أقتصر ههنا على مثال واحد؛ فكم آلمني جدا لما سمعت مؤخرا من أستاذ زميل أنه سئل من قبل أحد أعضاء لجنة مباراة اختيار رئيس مؤسسة جامعية عن الانتماء السياسي، والسائل يدري أو لا يدري أن مهمته في اللجنة محددة بالقانون، وتتلخص في مناقشة المرشحين انطلاقا مما قدموه من مشاريع لتطوير المؤسسة الجامعية، وبناء على تقييم السادة أعضاء اللجنة للمشاريع، وللعروض المقدمة، وللسير الذاتية يتم ترتيب المرشحين، وترفع اللائحة إلى مجلس الجامعة للمدارسة والمصادقة على الثلاثة الأوائل قبل رفعها إلى السلطة الوصية على التعليم العالي والبحث العلمي لتقول كلمتها الحاسمة: اختيار واحد من الثلاثة، أوالإلغاء بناء على ما لديها من معطيات قد تغيب عن أعضاء لجنة المباراة. وكيفما كانت النتيجة النهائية فلا شك أنه وكما جرت العادة يسلم بها المرشحون لأنها في المحصلة ستكون في صالح المؤسسة الجامعية، وفي صالح الوطن. إن اختصاصات أعضاء لجنة المباراة واضحة ومحصورة في مهام حددها القانون، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استغلال العضوية من قبل أي كان لتجاوز القانون، أو تصفية حسابات شخصية أو سياسية. وإن كان ولا بد من معرفة الانتماء السياسي لأي مترشح في أية مباراة كانت فإن ذلك ليس من اختصاص أعضاء لجنة المباراة، لأننا إذا فتحنا هذا الباب فإن التقييم سيبني على التخمين والمواقف القبلية، وسوف نغيب معيار الكفاءة وأهلية حسن التسيير والتدبير، وفي النهاية ستحل الفوضى والارتجالية، وستضيع المؤسسة الجامعية المغربية التي ما فتأ الغيورون عليها يبذلون الغالي والنفيس من الجهود والأوقات والأموال قصد تبوئها المكانة التي تستحقها في ترتيب المؤسسات الجامعية العربية والإفريقية والعالمية. ختاما أقول: إن الانتماء السياسي ليس جريمة، بل إنه فضيلة وتشريف لمن اختار الانضمام لحزب ما باقتناع وأدى الأمانة باقتدار؛ أمانة التأطير السديد، وأمانة الإسهام في مجالات التنمية التي تجعل بلدنا الحبيب في تقدم وازدهار في عهد صاحب الجلالة نصره الله وأيده. وأما أولئك الذين يسبحون ضد التيار ويريدون البقاء في إطار الحسابات الضيقية، ويضيقون ذرعا بالمخالفين في الرأي أو الانتماء السياسي، ولا يهدأ لهم بال إلا بإقصائهم بأساليب دنيئة، ولو كانوا هم أكفأ منهم…فأهمس في آذانهم ناصحا: اتقوا الله في زملائكم، وإذا أتيحت لكم فرصة للاختيار فاحرصوا على اختيار الأكفاء بناء على المعايير الدقيقة التي تتطلبها طبيعة المسؤولية المقصودة. وإلا تفعلوا وتماديتم في نهجكم لا قدر الله فاعلموا أنكم ستسهمون في هدم صروح العلم والمعرفة في هذا الوطن العزيز الذي يجمعنا جميعا.