من الناحية العملية فالمذهب المالكي في المغرب لا تطبيق له لا في الاقتصاد ولا في التشريع ولا في العلاقات الدولية ولا في الممارسات العامة السلوكية والأخلاقية، فلا يعتمد من الناحية العملية مرجعا للتحاكم في الخلافات التجارية ولا الجنائية ولا الفكرية. فأي اعتماد للمذهب من طرف الدولة؟؟ وأين تجليات هذا الاعتماد؟؟ وما هي حقيقة اتخاذه ثابتا من الثوابت؟؟ وكلنا يعلم أن محاولة استعمال المذهب المالكي بعد أحداث 11 من شتنبر كانت من أجل حرب سياسية وجودية لجماعات وتيارات إسلامية كثر أتباعها وتوسعت شعبيتها، فاعتماد المذهب كان في سياقه التاريخي توظيفا سياسيا استراتيجيا، لا اعتمادا حقيقيا تستجيب في إطاره القوانين لفقه المالكية وتنظم علاقات الناس التجارية والجنائية وفق نصوصه، وهذا ما يجعلنا نجزم بأن هذا التوظيف يفقد العلماء الرسميين المنافحين عن المذهب مصداقيتهم، لأنهم يعجزون عن المطالبة بتطبيق المذهب كما هو الحال بالنسبة لبيع الخمور واعتماد الربا والفصل في موضوع بيع وزراعة القنب الهندي المخدر. إن من أكبر زلات الدعاة والعلماء هو تقديمهم لرأي المذهب عندما يحتدم النقاش المجتمعي في موضوع ما بين أتباع العلمانية وباقي المغاربة، لأنهم بذلك يقدمون الرأي الفقهي ليستعمله العلمانيون داخل أجهزة الدولة كعجلة الإنقاذ التي يحتاجها السائق فقط عندما تصاب إحدى العجلات المعتمدة لديه. فالدولة ماضية في انتهاج الليبرالية كمرجعية للحكم، وكلما أرادت أخذ قرارات خطيرة للمضي قدما في علمنة المجتمع انتفض جانب من المجتمع مستنكرا؛ هنا تعمد الجهات إياها إلى فتح باب النقاش والجدل على صفحات الجرائد العلمانية ومواقع التواصل الاجتماعي، لنرى بعض الدعاة والعلماء يسعفون الدولة وعلمانيي الأجهزة بالفتاوى والآراء الضعيفة في المذهب، بل قد يجنح البعض إلى استيراد أقوال فقهية غريبة عن المذهب مخالفة للمشهور فيه. لقد رأينا هذا في ملف توسيع حالات الإجهاض، وملف إلغاء شرط الولي في عقد الزواج، ونراه يوميا في قضايا التسامح مع اليهود والنصارى، وقريبا سنراه لا قدر الله في إلحاق ابن الزنا بأبيه الزاني لحل مشاكل تطبيقات الحريات الفردية في أفق ترسيمها. ليست المشكلة في إيجاد حل لمشكلة مجتمعية من داخل المذهب أو الشريعة. المشكلة تكمن في أننا بهذه الطريقة نحل مشاكل التطبيقات العلمانية في تطوير التشريع وعلمنة المجتمع بفتاوى إسلامية. لهذا قد شدد الإسلام في النكير على من يأخذ ببعض الشريعة ويترك بعضها، وأمر المسلمين وخاصة المؤمنين منهم بالدخول في السلم كافة أي في شرائع الإسلام كله. فالإسلام إنما وضع شريعة أنزلها الله تدريجيا وفق تطوير المجتمع الأول حتى يستجيب للحكم بما أنزل الله، لا لكي يجد حلا لمشاكل الكفر والزندقة. فنصرتنا للمذهب المالكي وحربنا لمن يعمل بغيره في المغرب في ظل السياسة الراهنة، يضعف أتباع المذهب وهم قليلون بالمقارنة مع من لا يعمل بالشريعة ولا يرفع بها رأسا، ولا يستفيدون منه لا في قضاء ولا اقتصاد ولا تعليم، كما يضعف من يتفق معهم في أغلب الأصول والفروع ممن يعمل بما يسميه البعض فقه الدليل. وبهذه الخلافات الموجهة ينجح علمانيو الأجهزة في توجيه جهود العلماء لتبذل في دائرة الصراع الإسلامي الإسلامي، بدل أن تبذل في دائرة الصراع الإسلامي العلماني. فيعود ذلك بالضعف والنقض على الجميع. نسأل الله أن يرزقنا الحكمة. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.