أيا كان من اتخذ قرار الإغلاق في ليالي رمضان ( ولا تنسبوه كالعادة للعثماني المسكين، فهو أضعف من أن يقدم على إجراء على هذا القدر من الخطورة )، فقد جانب الصواب لاعتبارات عدة. ويتبين ذلك بوضوح من خلال استعراض ما قدم من مبررات بين يدي هذا القرار الغريب. تحدث البيان عن محاصرة وباء كورونا، بينما تشير الإحصاءات الرسمية للإصابات والوفيات أن الوضع ليس بالخطورة التي تفرض إجراءا صارما كهذا، خصوصا وأنه تزامن مع دخول شهر رمضان المبارك الذي يحظى بمكانة رمزية خاصة لدى المغاربة. كما أن الإغلاق الشامل السابق – سواء في المغرب أو في باقي دول العالم – أثبت محدودية نتائجه. وها هي موجات الوباء الجديدة تتوالى تباعا، مما جعل دول العالم، وخاصة الشعوب، أقل اقتناعا بجدوى هذا الإجراء، ومن ثم أقل إقداما على تطبيقه. ومن جهة أخرى، حدد موعد الإغلاق من الساعة الثامنة مساء إلى السادسة صباحا، وكأن الفيروس لا يظهر ويشكل خطورة إلا ليلا، مما دفع الكثير من المواطنين إلى التندر وإطلاق النكت الطريفة حول الموضوع. لكن لم يخطر ببالهم البتة تبرير العثماني الغريب الذي أبى كعادته إلا أن يسوق عذرا أقبح من الزلة، حيث صرح بكامل الثقة في النفس أن فيروس كورونا يتنقل ليلا ونهارا، لكننا نحبس " باباه " ليلا ونمنعه من الحركة !! هذا علما أنه خلال الليل تقل حركة المواطنين وتزاحمهم أصلا. كما نص القرار أيضا على إغلاق المساجد، ومنع إقامة التراويح وصلاتي العشاء والصبح فيها، وبالمبررات نفسها: محاصرة الوباء والإجراءات الاحترازية والتباعد…فطفق المواطنون يحوقلون ويتساءلون : وماذا عن باقي الصلوات المؤداة جماعة داخل المساجد ؟ وماذا عن صلاة الجمعة وما تشهده من ازدحام خصوصا خلال هذا الشهر الفضيل ؟ بل ماذا نقول عن الازدحام الكبير الذي تعرفه الأسواق ووسائل النقل المختلفة…؟ وهنا جاء الرد المفحم من مسؤول باللجنة العلمية : " ليس الزحام مثل الزحام " !! ويتبدى قلق المواطنين وغضبهم من هذا الإجراء من خلال المظاهرات التي تشهدها عدة مدن، وإصرار بعض المصلين على تأدية شعيرة التراويح أمام المساجد المغلقة وفي باحاتها الخارجية. أما الطامة الكبرى فهي أن القرار سالف الذكر قد أجهز بجرة قلم على مصدر قوت عشرات الآلاف من أرباب المقاهي والمطاعم والمقشدات والمحلبات والمستخدمين فيها (النوادل وعاملات النظافة والطهاة…) بالإضافة إلى مختلف الباعة الجائلين الذين يشتغلون بشكل خاص بعد الإفطار. والأدهى أنه لم يتم تقديم أي تعويض أو بديل لهؤلاء، علما أن المصاريف تزيد بشكل كبير خلال رمضان. وإمعانا في الاستخفاف، جاء الوزير حفيظ العلمي إلى البرلمان ليصرح أن الحكومة سوف تلتقي بالمعنيين وسوف تدرس المشكلة وتبحث عن حلول…هذا بعد انصرام العشر الأوائل من رمضان في ظل انعدام موارد الرزق وانسداد الآفاق أمام شريحة كبيرة من المواطنين. جلي إذن أن الحجر الليلي الرمضاني قرار متسرع تفوق سلبياته المؤكدة بكثير إيجابياته المحتملة، ومبرراته لم تقنع حتى أكثر المتفائلين والممتثلين للإجراءات الرسمية، مما سمح بتناسل الإشاعات والتأويلات المتضاربة والخطيرة بخصوص الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا القرار من قبيل المخططات الماسونية لإحكام القبضة على الشعوب والانتقام منها، وهدم اقتصادات الدول، ومحاربة الإسلام من خلال إغلاق المساجد وتعطيل شعيرة الصلاة بشكل تدريجي…وما إلى ذلك من التأويلات المتضاربة. لكل ذلك، سيكون من المفيد جدا للجميع أن يتم التراجع سريعا عن هذا القرار الجائر لإعادة الطمأنينة والأمل لآلاف الأسر التي أنهكتها أكثر من سنة من التوقف والبطالة القسرية بسبب كورونا. ومن ناحية أخرى عودة الأجواء الرمضانية الروحانية السامية التي لا تكتمل إلا بإعمار المساجد وشعيرة التراويح وتلاوة القرآن…فالرجوع عن الخطأ أفضل وأجدى بكثير من التمادي فيه والإصرار عليه.