لقد اختصر عميد الأدب العربي بحق الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي مشكلتنا مع العلمانيين في كلمة ذهبية قال فيها: "يزعمون أننا في عصر العلم وفي دهر القانون، ويريدون أن يسلبوا الناس إيمانهم، كأن الإيمان هو مشكلة الإنسانية، مع أنه لا حل لمشكلتها إلا به" [مقدمة الطبعة الثانية لكتاب "المساكين"]. فالله سبحانه وتعالى هو خالق البشرية وهو العليم بما يصلحها قال سبحانه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14]. وهو سبحانه وتعالى جعل راحتها في الإيمان والعمل الصالح (=الشريعة)، وهذه الشريعة ليس فيها إلا ما فيه خير وصلاح للبشرية في معاشها ومعادها، في حالها ومآلها قال شيخ الإسلام رحمه الله:"وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ" [منهاج السنة (1/155)]. فالذين يريدون إزاحة الشريعة وأحكامها، وتنحية الإيمان وشُعَبَهُ هم في حقيقة الأمر يريدون الحيلولة بين البشرية وبين الراحة والطمأنينة والسعادة والكمال الدنيوي وكل هذه الأمور تختزلها عبارة قرآنية وهي (الحياة الطيبة) وهي التي وعدها الله المؤمنين العاملين للصالحات(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا -وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله- بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة .والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت…" [تفسير القرآن العظيم]. فصدق الرافعي رحمه الله:"ويريدون أن يسلبوا الناس إيمانهم، كأن الإيمان هو مشكلة الإنسانية، مع أنه لا حل لمشكلتها إلا به".