عالم الدين والشرع لا يكون موصوفاً ومتخلقاً بالربانية حتى يكون عاملا بما علم؛ أي أن تتحقق لديه مطابقة بين علمه وعمله. بل لا يسعه، بعد حصول تلك المطابقة إلا أن يكون كذلك. لأن العلم الرباني عندما يسري في كيانه، ويجد حلاوته في قلبه، يدفعه إلى العمل به وممارسته دفعاً، حتى لكأنه مُجبر على ذلك. ثم يؤثر سلوكه الرباني في قلوب المسلمين، ويدعوهم إلى التوبة والاستقامة. فما أحوج الأمة المسلمة إلى هؤلاء العلماء الربانيين؛ أعلام الهدى ومصابيح الدين، الذين ملَّكهم الله مفاتيح القلوب، والأخذ بيد الغافلين والمذنبين، والسير بهم إلى حيث هدايتُهم وأمنُهم وسعادتُهم. قال سفيان الثوري رحمه الله: "العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل". وقال الإمام مالك رحمه الله: "ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنه نور يجعله الله في القلوب". وقال أيضا: "الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة المسائل. ولكن عليه علامة ظاهرة: وهو التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود". فإذا توفر هذان الشرطان: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، في العالم، كان ربانيا وقدوة صالحة، وإلا فأماني وغرور وظلام في الصدور.