هوية بريس – إبراهيم الطالب عندما كانت فرنسا تقاتل باستخباراتها ما أسمته الإسلام السياسي في الجزائر، وهندست مع جنرالاتها العشرية الحمراء، قبلت الحكومات العربية بذلك وتواطأت على ذبح الإسلاميين، عندما قامت أمريكا ضد فرح عيديد في الصومال، نفس الشيء، ثم لما قام الغرب بقيادة رعاة البقر يحاربون كل الإسلاميين عامة من مجاهدي طالبان والقاعدة (2001) إلى مرسي في مصر (ما بعد الربيع العربي)، الكل تفرج على حرق الناس في مصر ونسف الدور في أفغانستان والعراق وغيرهما، واستسلم لجبروت أمريكا وأذعن لشروط حربها على ما أسماه "الإرهاب". فلماذا أغضبتنا كلمة ماكرون حول الإسلام، التي استبطن فيها شيئا غير ما تبادر من حروفها التي تقطر حقدا وحسدا. عن أي إسلام يتحدث أليست كل الدول الغربية بما فيها دولة الأنوار الكسيفة، متواطئة مع حكام الاستبداد في العالم العربي والإسلامي لإبادة المصلحين العاملين، فسجون كل تلك الدول يسكن بها مغيبون كُثر من الإسلاميين المزعجين للحضارة الغربية ولمصالحها الاستراتيجية في بلدان المسلمين، هم مزعجون لأنهم يمثلون الجزء المستيقظ في جسد الأمة والذي لم يستجب لمحاولات التأديب وأصر على ممارسة عملية الإيقاظ لبقية الجسم النائم. إن كانت هذه هي الأزمة التي يقصد ماكرون أن الإسلام يعاني منها، فأنا أتفق معه، فأزمة الإسلام اليوم في تواطئ المفسدين من بني جلدته مع أعدائه التاريخيين، لكن فات هذا الرئيس أن كل سجين مظلوم منهم قبل إلقاء القبض عليه ألقى من البذور المئات والآلاف في مجتمعه، ستنبت ويخرج من أكمام أزهارها أمثاله ليفكوا الحصار عن الدعاة والعلماء ويحلّوا هذه الأزمة، فلينم قرير العين سليلُ نابوليون الفاشل. ولئن كان يقصد هذا فقد فاته أيضا أن مثل هذه الأزمات هي التي تحيي روح المقاومة في الأجيال الصاعدة. لكن ماكرون تلميذ كسول غِرٌّ صعد إلى الكرسي في زمن إفلاس العقل الفرنسي الذي كان يمثله الثعالب أمثال ليوطي، ممن يعرف للإسلام قدره، فلم يعاده علنا بل كان يشيد به في كل المحافل ويدافع عن بقائه في الجمعية العمومية الفرنسية ضد وزراء الحرب ووزراء المستعمرات، كان ينافح عن أعرافه في كل مناسبة، لكن دفاعه عنه ومحافظته عليه لم تكن تشمل الإسلام الحر، الإسلام اليقظ، بل كان ينافح عن إسلام مبتور اليدين ومقطوع الرجلين منزوع الأسنان، كان يحافظ على ما كان يسميه بعض الفرنسيين بLa Façade، والتي لا يزال يدافع عنها الغرب اليوم، وهو مقصوده من كلمة "الإسلام المعتدل". فماكرون تلميذ متخلف عقليا نزق أكثر من المعتوه السكير ساركوزي، هؤلاء هم رؤساء نهاية الإمبراطورية التي كان يحلم بها نابوليون وحاول استكمالها ليوطي ورفاقه في شمال إفريقيا ولبنان وسوريا وباقي بلدان ما يسمى إفريقيا الفرنسية. لكننا على يقين أن الإسلام لا يعيش معنى الأزمة التي فهمها الأغلب ممن ردوا على الرئيس الفاشل الذي لم يستفد شيئا من الدروس التي تابعها بمعهد الدراسات السياسية بباريس. ماكرون بكلامه عن أزمة الإسلام لا يوهم العالم الغربي المرتعدة شعوبه من منتجات شركات صناعة الإسلاموفوبيا، بل يدعوهم إلى الوعي بالحالة التي تعاني منها أوروبا والغرب من تمدد الإسلام. هو يقصد أن أزمة الإسلام لا تكمن في الإسلاميين الذين سجنوا وقتلوا، ويضيق عليهم في كل بقاع العالم، لا يقصد حتى أولائك الذين ألصقت بهم تهمة التطرف والإرهاب، ولا حتى الممارسات المنحرفة المتشددة لبعض المسلمين. ولا يقصد أن الإسلام يعاني ماديا أو دعويا. فماذا يقصد بأزمة الإسلام؟؟ أولا هو يقصد الإسلام السني بشريعته وعقيدته وسلوكه. والذي أصبح يشكل خطرا وجوديا على الحضارة الغربية، إسلام يمتلك كل عناصر البقاء والحياة والتوسع حتى ولو لم تتبناه أية حكومة. يقصد الإسلام الذي تمدد منذ عقود ويكتسح اليوم أوروبا، فماكرون يعلم أن الإسلام السني اليوم يهدد وجود القارة العجوز في بعدها الديني والحضاري؛ فالنصرانية تلاشت، والإلحاد صار موضة قديمة والتحق سدنته بالرهبان، ولَم يعد له بريق القرن العشرين، والحداثة انتهت وأفلست بعقلانيتها المادية التي تحيل على اللاغاية واللامعنى؛ وتُفضي بالباحثين عن السلام الروحي من معتنقيها إما إلى الإسلام إذا اعتدوا إليه أو إلى الانتحار. أما العلمانية والديمقراطية فلم تحلّا المشاكل الاقتصادية، ولَم تحققا العدالة الاجتماعية، فصارت الطبقة الوسطى تبحث عن الخلاص وتحتل الشارع العام رغم كورونا التي لم تستطع إخماد النار الحمراء في صدور مرتدي السترات الصفراء. وثالثة الأثافي التي ستؤذن بإيقاد نار ستحرق ما بقي من وجود للهوية العَلمانية التي تحرسها فرنسا في أوربا هو دخول أبناء الأوربيين بمعدلات تخيف سدنةَ معابد المال والثروة، الذين يعلمون أن كثرة دخول الأوربيين الأصليين في دين الإسلام إذا ما أضيفوا إلى الجيل الثاني والثالث والرابع من أبناء المهاجرين المسلمين فسيشكلون طال الزمن أو قصر قوة ضاغطة ترفع أصواتها بمطالب ذات امتداد إسلامي على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، ولن يلبث الأمر سوى، ليلا حتى تصبح المطالب قوانين اكتسبت مشروعيتها من الديمقراطية ذاتها، لهذا استبق حكماء فرنسا الأربعون الحرب، وأفتووا للحكومة الفرنسية بأن الحجاب والنقاب يهددان علمانية فرنسا. من هنا يتضح معنى كلمة "أزمة" التي أضاف ماكرون إليها كلمة "إسلام"، فالأزمة عنده تكمن في عدم قدرة الإسلام على الاستجابة لمقتضيات العَلمانية الدولية، التي فشلت في القضاء على هذا الإسلام السني، والذي تحاربه يوميا من خلال المؤسسات التي ترتبط ب"ڤاتكانها" المسمى منظمة الأممالمتحدة، و"كنائسها" الحقوقية المنتشرة في كل العالم الإسلامي والتي تخوض حربا ضروسا من أجل تطويع الإسلام "المأزوم" لمقتضيات العَلمانية الدولية التي صاغ مفاهيمَها وتصوراتِها الخمسةُ الكبار عقب الحرب العالمية الثانية، والتي أبادوا خلالها أكثر من 50 مليون إنسان. فالإسلام المعاند استعصى على كل محاولات التطويع، رغم أكثر من قرنين من الاحتلال العلماني الأوربي العسكري، الذي أزال حكم الإسلام من كراسي الحكم في الأقطار الإسلامية، ورغم خمس وسبعين سنة من تفتيت الانتماء إلى الإسلام لدى الشعوب من خلال أبرشيات الغرب الثقافية وحوانيته التنصيرية، ومشاريعها التي تنفَّذ بالمئات سنوية لتعليم المسلمين كيف يكونوا علمانيين وفِي نفس الوقت يحتفظون بنسخة مهذبة من الإسلام تستجيب لمقتضيات العقلانية والحداثة والديمقراطية. وامتناع الإسلام على عمليات التطويع العَلمانية -بالنسبة لماكرون ورفاقه في حكم أوروبا- تعتبر أزمةً فظيعةً عالميةً للإسلام، لذا صرح أنه لن يقبل بالآثار السلبية لهذه الأزمة في بلاده. إذن بعد هذا، لا تلوموا ماكرون ولوموا أنفسكم، فتصريحه ليس رأيا في حالة الإسلام بل هو تهديد له، وهذا ما ينبغي أن يفهمه الرؤساء والملوك قبل الشعوب في البلدان الإسلامية. الآن بعد هذا التصريح يجب أن نعي أن أطروحة الغرب قد تطورت، وسيبدأ في حرب الإسلام وليس المسلمين، حرب تقتضي أن يختفي ما تبقى من الإسلام السني في مناهج التعليم ومقرراته، أن تختفي كذلك كل مظاهره في أوربا، هو تهديد بمحاكم تفتيش فرنسية شبيهة بتلك التي نصبت للإسلام في الأندلس، فلم تكن تلك المحاكم تستهدف المسلمين فقط بل الإسلام من حيث وجوده. لكن محاكم ماكرون لن تكون رجعية ظلامية متوحشة كمحاكم "فرناندو" و"إيزبيلا القشتالية" ، بل ستكون ديمقراطية تدافع عن الحداثة والعقلانية ستنتصر فقط للعقيدة العلمانية الفرنسية ضد الإسلام المأزوم، تماما كما دافعت محاكم التفتيش عن العقيدة الصليبية. محاكم ماكرون التفتيشية قد بدأت منذ سنين لكنها بعد هذا التهديد ستتطور ويتسع نشاطها، ومن يشكك فلينتظر فإن غدا لناظره قريب، وليس الصبح ببعيد. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.