هوية بريس – ذ.إدريس كرم السكان المغاربةimg class=" wp-image-48510 alignleft" src="http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم.jpg" alt="بعد "بدونة المدن" جاء دور "تمدين البادية"" width="334" height="199" srcset="http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم.jpg 860w, http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم-300x179.jpg 300w, http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم-768x457.jpg 768w, http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم-696x414.jpg 696w, http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2016/05/إدريس-كرم-705x420.jpg 705w" sizes="(max-width: 334px) 100vw, 334px" / المجتمع المغربي مثل معظم المجتمعات الحديثة يقدم للباحثين مزيجا من الأعراق والحضارات وأنواع اللغات والعادات والطبقات الاجتماعية التي تسبق أحكامنا والوحدة الرائعة للأمة الفرنسية غير المتهيأ تصورها بعد. لكن أصالته لا تكمن فقط في تعقيد معين يمكن مقارنته لحد ما مع الدول الأخرى، فهو يأخذ لونه المغربي الحقيقي من الإحساس الشديد الارتباط الذي لكل فرد بحياة مجموعته الاجتماعية، هذا الإحساس يعبر عنه بمختلف الوسائل: لهجات، أزياء، أنواع من النشاط وأيضا أنواع من الأقوال والأفعال، بطبيعة الحال ليست خيرة للغاية، في كل مجموعة تكون هدفا من قبل الآخرين. المسلمون والغير بالنسبة للمغاربة، يجب أن يقال منذ البداية أن تصنيف البشر عندهم قائم على أديانهم، نجد ذلك التصنيف ظاهرا في عيونهم يفرقون فيه بين: مسلمين، يهود أو نصارى. كل شيء لديهم في حياتهم يساهم في إضفاء الشرعية على هذه الطريقة في تصنيف الناس. على الإجمال: أحياء منفصلة، ملابس خاصة، لغات مختلفة، أعياد دينية خاصة بكل مجموعة، أماكن صلاة منفصلة، أيام راحة أسبوعية خاصة الخ الخ.. سواء في المجال المادي أو في المجال الروحي. هذا التقسيم الثلاثي للسكان بالبلد يطالعنا من جميع النواحي، المغربي لا يشعر بالحاجة للمضي قدما في دراسة أسباب التمايز الاجتماعي، فمعتقدات الديانات الأخرى بالنسبة لمعتقداته الخاصة لا تثير فضوله بأي حال من الأحوال: فهو مكتف بمعرفة مدى بعدها عن العقائد الإسلامية ويرى من غير المناسب التعمق في معرفتها. وهذا يعني أن المغربي بطبيعته مسلم وهو ما تجده في أخلاقه وإيمانه بالوعود التي خصها الله للمؤمنين في الحياة الأخرى حيث الرضى والسمو الروحي الذي يفوق كل المزايا المادية التي يمكن أن تمنحها لهم براعة النصارى ومهارة اليهود في هذا العالم السفلي. هذه حقيقة في غاية الأهمية، حقيقة أساسية تهيمن على القرارات الاجتماعية بين الفرنسيين والمغاربة، ستتاح لنا الفرصة للعودة لها لاحقا عدة مرات. داخل العالم الإسلامي سنجد قلقا مماثلا في كل صنف لإبعاد الآخرين. وعلى العموم سكان المغرب ينقسمون لبربر، عرب، ومن الأحسن القول من أناس لسانهم بربري وآخرين لسانهم عربي. البرابرة البربر يتحدثون لهجة سامية قديمة جدا لكنهم سرعان ما يصبحون مزدوجي اللغة بفضل ما تفرضه عليهم ضرورات علاقات الأسواق ووسائل التنقل وارتياد المدن من اتصال بالحضارة العربية، فهم أقدم سكان البلاد كرسوا وقتهم للفلاحة وخاصة الرعي، ما عدى أهل سوس المغتربين بالإكراه في المدن لممارسة مهن محددة: كالطحن، وتجارة الفحم، والدهون، والبقالة، والخدمة في منازل الأوربيين، وفي الصناعة الحديثة، التي يتم إنشاؤها بالمغرب، حيث يتم اندماجهم بسهولة خاصة التي يحدثها السوسيون، كما أنهم لا يترددون في الهجرة خارج الحدود المغربية وخاصة فرنسا للعمل بمصانعها هناك. البرابر كثر يسكنون الجبال من الريف للأطلس الصغير، سهل سوس، المناطق الصحراوية لحد ما التي تمتد جنوب جبال الأطلس، طالما أنهم يتحدثون بلهجاتهم فإنهم يظلون فخورين بأصلهم وأعرافهم القاسية وأسلوب حياتهم، ويظهرون بسهولة ازدراءهم لسكان المدينة أو الفلاحين الناطقين بالعربية الذين قاتلوهم لقرون، فهم محاربون بطبيعتهم أكثر من كونهم محاربون للضرورة، فهم دائمو التقاتل فيما بينهم طبعا إلى أن جاءت الحماية للبلد من أجل احتلال المراعي التي لا غنى لهم عنها لقطعانهم. على مر الزمن انتقلوا في حركة بطيئة، قادتهم من الصحراء للجبال، ومن الجبال للسهول الأطلسية، حيث سيتصلون بالعرب الخلص في البادية، وهنا سيصبحون مستقرين معربين ومسلمين بشكل عميق، وبعد ذلك حاولوا إخفاء أصولهم البربرية التي ما زالوا يتذكرونها تماما، ولكن ليس في درجة إخوانهم الذين بقوا في الجبال، وقد صاروا جميعا يعتبرون الحضارة العربية وسيلتهم في السعي نحو الكمال. البدو البدو هو ما نسميه بشكل غير لائق العرب، يجب التمييز بشكل واضح للغاية بين الريف أو البدو من ناحية وسكان المدن من ناحية. القرويون، العرب الخلص والبربر المعربون هم مزارعون ومربو الماشية، نراهم يجلبون إنتاج حقولهم للمدينة. بعضهم يتم تشغيله في البساتين المجاورة مباشرة للمدن ويعمل غيرهم بالمدينة في مهن أساسية تهم المدينة والبادية: بناؤون، صانعو سِلال، سراجون، صانعو محاريث، صانعو الفخار والمواعين والجِرار، حلاب الخ الخ.. وبالرغم من مغادرتهم قراهم فهم يبقون محافظين على علاقات بالمتبقين بها حريصين على تأكيد حقوقهم في قطعة أرض أو مجموعة أشجار جيلا بعد جيل، ومن فقد منهم ذلك الارتباط يصبح مديني ويلقب بالمدينة التي يقطنها بعد أن كان ملقبا بالقبيلة أو القرية التي خرج منها أسلافه طلبا للعمل أو الأجر المرتفع أو الترقي الاجتماعي أو الفرار من الاكتظاظ السكاني الذي تولد عن الحملات العسكرية التي كانت تجمع السكان وتنقلهم من مكان لآخر في مسيرة التهدئة. لم يتح للأعداد الهائلة المغادرة لقراها نحو المدن بفعل الضغط الزمني أن تتأثر بالأوضاع الاجتماعية والثقافية لطبقات السكان المغاربة بالمدن واستبدال ما اعتادت عليه من أنماط سلوكية ومعرفية لانغماسها في تدبير حاجاتها اليومية بما هو موجود كيد عاملة غير مؤهلة إلا ما نذر منها، وهي مسؤوليتنا التي يجب أن نقوم بها ليستطيعوا التكيف مع الحياة الاقتصادية الجديدة المبرمجة من قبلنا لصنع مغرب جديد ملائم لمخططنا. يجب ألا ننسى أن القروي عندما تكون له أرض ويمتلك ماشية لا يشعر بالرغبة أو الحاجة للاستقرار في المدينة، بل يفضل البقاء في قبيلته كعَين من الأعيان: رئيس دوار، مقدم، شيخ، خليفة للقائد، باختصار أي منصب يحقق له الاحترام والسيادة، إنه يفضل أن يكون الأول في قريته خير من أن يكون الثاني في العاصمة. إنه سريع التأثر ببعض الاستخفاف الصادر من التجار، وساكني المدن الذين يرتادون ملابس رقيقة كذابة من يطلقون عليهم (الدجاج الأبيض)، والذين كانوا قبل هدفا للتحرش بقوافلهم ونهبها أحيانا عندما كانت تمر بالقرى والفلوات من غير حراسة أو في حراسة الرومي وبعض قواته. كما أن أصحاب المتاجر لا يفوتهم أن يسخروا من القرويين علنا كانتقام منهم على الخوف الذي كانوا يتسببون لهم فيه قبل سيادة الأمن الفرنسي بالبلاد. لقد كان سكان المدينة على الدوام حذرون من سكان القرى لدرجة أنهم كانوا يخوفون بهم أطفالهم المشاغبين، وقد سجل التراث الشعبي عددا لا يحصى من الحكايات والأمثال والأقوال التي تتجلى فيها هذه الخصوصية التي تفصل المدينة عن البادية دون يرتقي ذلك التصور لعداء صريح أو أساسي خاصة بعد توقيع معاهدة الحماية. المدينيون (سكان المدينة) لا داعي للقول بأن سكان المدينة يرتبطون بأسلوب حياة يختلف عن سكان القرى، فالمديني العريق الأصيل لا يعرف بالنسب القبلي كما هو الأمر للقروي، بل بصفة أو مهنة أو تكليف مخزني أو مركز اجتماعي وعلمي، كالخطيب، أو القاضي، أو السراج، أو المشاط، أو الرايس، أو البعاج، أو الزيات، الخ (وإن كانت هذه الخاصية توجد في القرى أيضا لمن علا نجمه وارتفع كعبه في قول أو عمل -المترجم-). فالمدينيون الأصلاء مكونون من سلالات مميزة يمكن التعرف عليهم بسهولة من ملابسهم البيضاء الفضفاضة ورؤوسهم المغطاة بقصة ثوب تنزل على الأكتاف أو عمامة بيضاء تكبر وتصغر حسب السن والمقام، والتجار ببذلاتهم وسراويلهم المميزة عند الأطراف بالضيق وطرابيشهم الموضوعة على الرأس أو المركونة بالجانب على مستوى تناول اليد، زد على ذلك الحرفيون العاملون في وُرَش صغيرة المتميزون بأزياء خاصة تستطيع من خلالها تمييز المعلم من الصانع من المتعلم، وأصحاب الدكاكين المسالمون الذين ينتظرون الزبائن بصبر ورضى وهم إما معممون أو مطربشون. المدينة المغربية مدينة إسلامية مرتبطة بالمساجد والحمامات وورش الصناعة ومحلات التجارة التي تتحلق حول المساجد والمدارس والإدارات وكل ما يؤدي لتحسين الحياة الاجتماعية وتسهيلها، وتؤمن رفاهية سكانها وهو ما لا ندرك كنهه نحن الفرنسيون خاصة والغرب عامة. بيد أنه ليست كل المدن المغربية حضرية مأهولة بأغلبية سكان مدينيين أصلاء عريقين في التمدن كفاس وسلا والرباط وأزمور القديمة، فهذه مدن حقيقية تبين حقيقة المؤسسات الإسلامية التي حافظت على تقاليد الحضارة الإسبانومورسكية، أما المدن المغربية الأخرى فالسكان الأصلاء بها قليلون لحد ما مما يؤدي لعدم تأثيرهم القوي في النسيج الإجتماعي والثقافي لسكانها وجعلهم يبرزون بخصائص مميزة كسكان الرباط وفاس وتطوان، ذلك أن الطابع القروي هو الغالب عليها كلا أو بعضا، لذلك لا نجدها تفتخر بخاصية ما وإن كان سكانها يتطلعون لذلك، ويأنفون من السؤال عما إذا كانوا مدينيون أم قرويون عرب أم برابر؛ فسؤال مثل هذا يعتبر من قلة الأدب إن لم يكن سبة فهو قريب منها، كما لا يعتبر ساكن مدينة كساكن أخرى سواء من حيث اللهجة أو العادات والملابس وخاصة عند النساء فكل يريد التعبير عن أصله وانتمائه من خلال مظهره وسلوكه ويعرف من غير سؤال. مثل هذا الشعور نعرفه في فرنسا وزرعناه في المغرب ويطلق عليه الروح الضيقة لكن في المغرب بين المسلمين في الحقيقة أعمق مما هو عليه في أقاليمنا. في المدينة نفسها تم إنشاء أحياء لمن يسمون أندلسيين وهم المهاجرون من إسبانيا وهم الذين حملوا معهم للمدن المغربية الفنون والعلوم والمؤسسات والطبخ والملابس وبكلمة واحدة كل السمات المشرفة للحضارة المغربية. هؤلاء المهاجرين سكنوا في أحياء جيدة بالرباط وسلا ومعهم اليهود الذين رافقوهم في الرحلة من إسبانيا حيث كونوا مجتمعين أرستقراطيات محلية لها خصائص مشتركة تعيش بها. بالإضافة للمسلمين من أصول مشرقية يدعون الأحناف أو الحنفيين لاجتذاب نوع من التقدير والاحترام. اليهود المسلمون نقصد بهم اليهود الذين أسلموا واحتفظوا بأسمائهم العائلية التي عرف بها أسلافهم وهم يهود، وقد اندمجوا في المجتمع المسلم وبرزوا فيه سواء كتجار أو حرفيين أو فقهاء وعلماء وسفراء وغير ذلك من المراكز المرموقة في المجتمع المسلم. لقد أظهر مسلمو الحواضر تسامحا كبيرا مع اليهود الذين بقوا على ديانتهم منذ قرون وقرون، وهم منتشرون في كافة أنحاء البلاد حيث كانوا أقل قسوة تجاههم مما كنا نعتقد بخلاف سكان القرى من عرب وبربر، حيث كانوا يهاجمون أحياءهم في الأوقات العصيبة بالمدن خاصة بدعوات مختلفة أبرزها تعاونهم مع الغربيين الذين كانوا يريدون احتلال البلاد وتسهيل مأمورية المعمرين والمحميين وإلحاق الضرر بالمسلمين الذين قبلوا مخالطتهم ومشاركتهم العيش، في الوقت الذي لم يلحق بساكني القرى ضيم ولا حيف. الزنوج يبقى الحديث عن عنصر عرقي أسود مهم لحد ما، حيث نلتقي بممثليه في كل خطوة، وهو أبعد ما يكون عن التجانس وهم الذين يطلق عليهم صفة حرطاني يسكنون الواحات بالجنوب كخدم وعمال عند الرحل المجاورين، وهم أقل اعتبارا من قبل المغاربة لأنهم استقدموا من السودان كعبيد، ثم تم تحريرهم تبعا لتعاليم الإسلام بعدما أسلموا فصاروا يعملون مع الناس كبنائين وحفارين وبستانيين وهم يوجدون اليوم بكثافة في المدن الحديثة يشتغلون أو يبحثون عن شغل، إلى جانب هؤلاء الزنوج، هناك الذي كانوا جنودا لدا عدد من ملوك المغرب خاصة المولى إسماعيل والمسمون بعبيد البخاري (المقصود به صحيح البخاري الذي كانوا يقسمون عليه يمين الولاء والطاعة لأوامر السلطان)، جلبوا من قبل التجار المغاربة عندما كانت التجارة بين المغرب وإفريقيا رائجة حتى اليوم الذي هيمنت فيه فرنسا على تلك البلدان ومنها المغرب، وقد قبلهم المجتمع واندمجوا فيه من غير تمييز خاصة وأنهم يتشابهون في اللون مع أبناء النساء السود التي تم تزوج المغاربة البيض بهم باعتبار أن الإسلام يعطي النسب للأب وليس للأم فليس غريبا أن تجد أبناء الأعيان والسادة المهجنين حمر البشرة وبعضهم بالكاد يختلف عن السود. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المغربي ليس لديه أي تحيز عنصري نحو (الملونين) مثل ما هو الأمر بالنسبة له مع اليهود المسلمين، فالمغربي في علاقاته بالبشر يعتبر الدين هو أساس التصنيف وما غيره يبقى دون ذلك في عينيه. إن الصورة التي رسمناها للتو عن السكان المغاربة تظهر التنوع الأرضي الذي بان بشكل سيء في أعين الشعب الفرنسي، وجوده أقل وضوحا في ذهن المغاربة الذين لا يرون في السكان ميزة سوى اشتراكهم في دين الإسلام وغير هذا فلا ضير أن يكون لكل مجموعة عرقية لهجة وملابس ونمط عيش ما دام الكل يؤمن بالإسلام دينا موحدا جامعا. بالطبع العلاقات الاجتماعية التي تستخدمها المجموعات فيما بينها والتي على الفرنسيين استخدامها مع كل واحدة هي الشروط الأساسية من أجل هذه الخصوصية الواضحة الصريحة المدانة كما قلنا سابقا، لأنها أكثر من روح انتماء، مما يعتبر مصدر قلق للبعض منا، دعونا نتحرر من هذا التباعد عن الوقع الذي يجب أن يكون معروفا جيدا لدينا ونحذر من تبعات تجاهله. إن المغربي المجرد من دينه وقيمه لا وجود له، فهو أكثر من إنسان مجرد عن الزمان والمكان وما يعتمرهما من تجارب ومعتقدات، إن الفكرة الخاطئة التي لدينا بصنع مغربي لا تمنعنا من رؤية المغاربة أحياء، وتفكيرنا في الإنسانية لا يجعلنا نتجاهل الرجال. (Au seuil de vie marocain على مشارف الحياة المغربية؛ للويس برينو؛ ص24).