تفاعلا مع النقاش الذي أثاره عرض تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول برنامج مدن بدون صفيح: نحو جيل جديد من المشاريع المندمجة في إطار سياسة المدينة قراءة أولية في عرض المجلس الأعلى للحسابات حول برنامج مدن بدون صفيح: شكل عرض المجلس الأعلى للحسابات بلجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب حول تقرير المهمة الرقابية التي باشرها بخصوص تقييم "برنامج مدن بدون صفيح" خلال الفترة الممتدة من تاريخ انطلاقه سنة 2004 حتى سنة 2018، مناسبة هامة لاسترجاع وإعادة طرح العديد من الأسئلة والإشكالات المتجددة التي لازمت هذا البرنامج، كما أنهيعتبر فرصة ومحطة لا ينبغي أن تمر بشكل عابر ودون التدقيق في عرض المجلس وخلاصاته بما يمكن من سلك السبل الكفيلة باستدراك كل جوانب النقص والقصور المسجلة. وكما أكد ذلك عرض المجلس الأعلى للحسابات، فقد تم إطلاق برنامج مدن بدون صفيح سنة 2004، في إطار سياسة الدولة في مجال السكن، وذلك تبعا للتوجيهات الملكية الساميةولعدد من الإعلانات الحكومية، وكذا تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة التي انخرطت فيها بلادنا. وكان الهدف آنذاك، كما تم إعلانه إبان انطلاق البرنامج، هو القضاء على أحياء الصفيح في كل المدن المغربية وتم حصر عددها في 70 مدينة ومركز،وكذا تحسين ظروف عيش ما يناهز 270 الف أسرة، وذلك بغلاف مالي تقديري يناهز 25 مليار درهم تتحمل منها الدولة %40 وتتوزع%60 المتبقية على الأسر المستهدفة وعلى عائدات الموازنة المرتبطة بتدبير الرصيد العقاري الهام الذي تم وضعه رهن إشارة البرنامج، وذلك في أفق زمني حدد في سنة 2010، على أن يتم تنزيل كل ذلك وفق مقاربة تشاركيةبين الدولة والجماعات المعنية والسلطات المحلية. طبعا لا يمكن إنكار المجهودات الكبيرة التي تمت تعبئتها في سبيل تحقيق أهداف البرنامج، كما لا يمكن إنكار أهمية النتائج المحققة حتى نهاية 2018 إذا ما استحضرنا الإكراهات الجمة والمتنوعة التي عرفها التنزيل الفعلي للبرنامج سواء تعلق الأمر بالتحيين المستمر للإحصاءات أو بإدراج أحياء ومراكز حضرية جديدة لم تكن مبرمجة. وفي هذا الإطار، وبالرغم من أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يشير إلى أن "البرنامج حقق ما نسبته%60 من أهدافهالمحينة، بالرغم من تجاوز السقف الزمني المحدد بداية في 6 سنوات بأكثر من 8 سنوات إضافية"، فإن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن البرنامج تحول بعيد انطلاقته بسنوات قليلة وبشكل لا إرادي من مجرد "برنامج مضبوط الأهداف وبتركيبة محددة تقنيا وماليا وزمنيا" إلى ما يشبه "سياسة عمومية مفتوحة تترجم فعليا في شكل برامج عمل يتم تجديد أهدافها وتحيين مضامينها من سنة لأخرى ومن جهة وعمالة لأخرى، وهو وضع لا يستقيم معه تقييم البرنامج على أساس منطلقاته فقط، ناهيك عن تأطير عملية التقييم انطلاقا من المعطيات المستقاة من خبراء ومسؤولي قطاع الإسكانبمفردهم، ما قد يكرس الانزياح الكبير الحاصل على مستوى تصور البرنامج وخروجه من إطاره الحكومي الذي انطلق على أساسه، ليصبح مجرد انشغال قطاعي بحت. ولعل من أبرز أوجه هذه "الانزياح الكبير" على مستوى حكامة البرنامج واندثار الطابع الحكومي عنه ليتحول إلى مجرد برنامج قطاعي،توقف أشغال اللجنة الوطنية للتبع التي يترأسها رئيس الحكومة إذ لم تعقد، منذ انطلاق البرنامج سنة 2004، إلا اجتماعا واحدا، ما يعني توقف الإشراف الحكومي على تنفيذ البرنامج والتخلي الإرادي على التقييم المستمر المشترك والدوري لتنزيله. إن من النتائج الوخيمةلانتفاء طابع الإشراف الحكومي على تدبير وحكامة البرنامج، وإن كانت طبيعية بالنظر لهذا "الاختيار"، اختزال ما أسماه عرض المجلس الأعلى للحسابات "بالطرق الثلاثة لمحاربة مدن الصفيح" (إعادة الهيكلة، إعادة الإسكان، إعادة الإيواء) في مجرد عمليات سكنية محضة، تهدف بالأساس إلى إنتاج عدد من الوحدات السكنية يناسب عدد الأسر المستهدفة، ما أسقط البرنامج، في جزء كبير منه، في فخ "المقاربة الكمية الصرفة" والاستهلاكالمفرط، بالتبع لذلك، للرصيد العقاري الوطني بشكل لا يوازي النتائج المحققة، مقاربة كرست ضعف التجهيز بعمليات الاستقبال كنتيجة مباشرة لضعف أو انعدام التنسيق الحكومي المفروض أن يتم على مستوى اللجنة الوطنية المجمدة، وما يرتبط بذلك من صعوبة أو استحالة استحضار الأبعاد المرتبطة بتوفير الشغل وفرص الإدماج الاجتماعي والاقتصاديللأسر المستهدفة وللفئة النشيطة على وجه الخصوص. سياسة المدينة فرصة حقيقية لاستدراك القصور المسجل على مستوى مقاربات التدخل تصورا وإنجازا: دشنتبلادنا منذ 2012 ورش سياسة المدينة باعتبارها سياسة عمومية إرادية مندمجة ومدمجة بين-وزارية وتعاقدية، تهدف، بالأساس، إلى معالجة مختلف أشكال نقص التجهيز في المرافق وفي البنيات التحتية على مستوى المناطق الحضرية الهشة، بما يمكن هذه المناطق من الاندماج التلقائي في الأنسجة الحضرية التي تنتمي إليها ويمكن ساكنتها من الاندماج المرن والسلسفي الأنساق الاقتصادية والاجتماعية القائمة. في هذا الإطار، واستحضارالخلاصات المجلس الأعلى للحسابات، وانطلاقا من الربط الإرادي،في الهيكلة الحكومية، بين سياسة المدينة من جهة، والسكنى من جهة أخرى، باعتبار هذه الأخيرة هي المكون الأساس والوظيفة الأولى لكل الأنسجة الحضرية القائمة أو المستحدثة، فإن الوقت قد حان، لإعادة صياغة المقاربات والمشاريع الخاصة ببرنامج مدن بدون صفيح من داخل سياسة المدينة بالمفهوم والتعريف المشار إليه أعلاه والمستقى من التصاريح الحكومية. مقاربة جديدة متجددة لابد أن تستند إلى نفس إرادي قوي للدولة ينهي مع التعاطي القطاعي المجزء في معالجة الإشكالات الحضرية التي، بطبيعتها، تفرض حدودا معقولة من الالتقائية والاندماج والتكامل بين تدخلات مختلف المعنيين بإشكالية أحياء الصفيح ببلادنا وعلى رأسهم الدولة، ممثلة بمختلف القطاعات الحكومية وليس بقطاع واحد فقط، الأمر الذي لا يمكن ضمانه إلا بالإشراف المباشر لرئيس الحكومة أولا على دراسة مختلف خلاصات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات المنبثقة عن مهمته الرقابية والتقييمية الأخيرة حول "برنامج مدن بدون صفيح" باعتبارها تهم قطاعات حكومية عدة وليس قطاع الإسكان فقط، وثانياعبر إطلاق دينامية جديدة في التعاطي مع إشكالية الصفيح ببلادنا. دينامية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال عدد من الإجراءات الضرورية، والتي من أهمها: -الإقرار بكون "البرنامج الوطني مدن بدون صفيح" استنفذ الهدف والغاية منه، وأن ما حققه يتجاوز بكثير ما تم الالتزام به، بالرغم من عدم بلوغ العدد المقرر إعلانه بدون صفيح من المدن والمراكز الحضرية؛ -دراسة خلاصات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات المنبثقة عن المهمة التقييمية التي خص بها البرنامج، وذلك في إطار اجتماع خاص للجنة بين الوزارية لسياسة المدينة التي يترأسها رئيس الحكومة، ومباشرة النقاش وربما التفاوض، في نفس الإطار، حول التزامات القطاعات، كل القطاعات، الحكومية بخصوص معالجة ما تبقى من أحياء الصفيح والعمل على مواكبة هذه الظاهرة وفقا لرهانات سياسة المدينة وغاياتها والتي من أهمها الاندماج الحضري والتماسك الاجتماعي لهذه الأنسجة ولساكنتها؛ -إطلاق جيل جديد من برامج التأهيل في إطار سياسة المدينة لمختلف الأحياء/التجزئات السكنية ومختلف العمليات الأخرى التي أنجزت سابقا في إطار "برنامج مدن بدون صفيح" بما يمكن من تدارك كل أشكال ضعف التجهيز وغياب مقومات الإدماج والإندماج على مستوى هذه الأحياء.