الحمد لله وحد، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد؛ فإننا نسمع كثيرا في الآونة الأخيرة من بعض حثالة الأغبياء من يطعن في جناب الأنبياء، وعلى رأسهم سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخلو تطاول هؤلاء وطعنهم في المقامات السامقة والجبال الشامخة من أن يكون إما عن جهل عميق بالدين، أو حقد في قلوبهم دفين، وهذه فرصة لتذكير الأمة بحقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم علينا، ومن بين هذه الحقوق: * تعظيمه وتوقيره إن توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه من أعظم شعب الإيمان، ولهذا أمرنا الله سبحانه وتعالى في كثير من الآيات بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيره والتأدب معه وتعظيمه وتبجيله يقول الله جل وعلا﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الأعراف: 157]" فأوجب الله تعالى تعزيره وتوقيره وإكرامه، ومعنى يعزّروه يجلّوه، وقيل: يبالغوا في تعظيمه"[1] وإذا كان رفع الصوت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم محبط لعمل صاحبه، فكيف بمن تجاوز ذلك والله المستعان، يقول الله جل ذكره ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾[الحجرات: 2] "ورفع الصوت بين يدى النبي، فيه استخفاف، وفيه تجرد من مشاعر الهيبة والإكبار، وجفاف من عواطف الحب والولاء.. فالكلمات التي تصدر فى مقام الجلال والإكبار، كلمات ضامرة ضاوية، أمام ما يروعها من هيبة وجلال.. والكلمات التي تخرج من أفواه المحبين كلمات مستحيية ضارعة بين يدى من يحبون.. والمسلمون فى حضرة النبي الكريم، يشهدون أروع آيات العظمة والجلال، وحديثهم إليه، إنما هو حديث يفيض من قلوب ملكها الحب، وخالط شغافها.. وإنه لا يجتمع مع هذا أن يرتفع صوت من مؤمن فى حضرة الرسول، فإن ارتفع فلن يكون إلا دون صوت النبي.."[2] ولهذا نجد الصحابة يضربون أروع الأمثلة في حب النبي صلى الله عليه سلم وتعظيمه وتوقيره وكانوا من شدة تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم لايَحِدُّون النظر إليه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا إِذَا قَعَدْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَرْفَعْ رُءُوسَنَا إِلَيْهِ إِعْظَامًا لَهُ»[3] وإذا حضروا معه في مجلس كانت عليهم السكينة والوقار، وبلغ من تعظيمهم له مبلغا عظيما؛ فهذا البراء بن عازب يصف لنا مجلسا من مجالس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول « فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ »[4] والنماذج في هذا كثيرة جدا، وأختم الحديث عن هذا الحق من حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا بكلام علامة المغرب الإمام القاضي عياض يقول في كتابه المبارك الشفا بتعريف حقوق المصطفى" لا خفاء على من مارس شيئا من العلم، أو خص بأدنى لمحة من الفهم: بتعظيم الله قدر نبينا صلى الله عليه وسلم وخصوصه إياه بفضائل ومحاسن ومناقب لا تنضبط لزمام: وتنويهه من عظيم قدره بما تكل عنه الألسنة والأقلام، فمنها ما صرح به تعالى في كتاب: ونبه به على جليل نصابه، وأثنى به عليه من أخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه وتقلد إيجابه: فكان جل جلاله هو الذي تفضل وأولى. ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى، فله الفضل بدأً وعودا، والحمد أولى وأخرى"[5] * محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا تقديم محبته على الأهل والمال والنفس قال تعالى ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24] قال القرطبي"وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب"[6] وحب النبي صلى الله عليه وسلم مُقَدَّم على كل محبوب ولا يجد المؤمن طعم الإيمان وحلاوته حتى يستحضر هذا المعنى في قلبه ولهذا جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»[7] ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فرض لازم على الأمة المحمدية، وثوابها مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة رزقنا الله وإياكم نعيمها والخلود فيها. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»[8] نماذج مشرقة من محبة الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم: "سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمإ" [9]وعن " عبد الرحمن بن سعد قال: خَدِرَتْ رِجْلُ ابن عمر فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك فقال: محمد"[10] وسأل أبو سفيان بن حرب وهو على الشرك حينذاك زيد بن الدثنة رضي الله عنه حينما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقلتوه – وكان قد أسر يوم الرجيع "أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟، قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.[11] أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يوقرون نبيهم ويعظمونه ويقدرونه حق قدره، وأن يجمعنا به في مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه. [1] – سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد: محمد بن يوسف الصالحي الشامي ،تح: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوضط: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان،ط/1، 1414 ه – 1993 م(1/ 516) [2] – التفسير القرآني للقرآن: عبد الكريم يونس الخطيب،،ط: دار الفكر العربي – القاهرة-(13/ 434) [3] -رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب العلم ، فصل في توقير العالم رقم الحديث(415) وصححه ووافقه الذهبي، تح: مصطفى عبد القادر عطا،ط: دار الكتب العلمية – بيروت،ط/1، 1411 – 1990(1/ 208) [4] -سنن ابن ماجة،ابواب الجنائز،باب ما جاء في إدخال الميت القبر،رقم الحديث،( 1549) سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط،تح: شعيب الأرنؤوط ط: دار الرسالة العالمية،ط/1، 1430 ه – 2009 م(2/ 498) وصححه المحقق [5] – الشفا بتعريف حقوق المصطفى – مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء،: أبو الفضل القاضي ط: دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع،ط: 1409 ه – 1988 م(1/ 12) [6] – الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي تح أحمد البردوني وإبراهيم أطفيشط: دار الكتب المصرية – القاهرة،ط/2، 1384ه – 1964 م(8/95) [7] -صحيح البخاري، كتاب الإيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم،رقم الحديث(6632)،تح محمد زهير بن ناصر الناصر،ط: دار طوق النجاة ط/1، 1422ه(8/129) [8] -صحيح البخاري، كتاب الادب، باب علامة حب النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث،( 6171) [9] -الشفا للقاضي عياض،(2/ 23) [10] – الأدب المفرد ،محمد بن إسماعيل البخاري، بَابُ مَا يقول الرجل إذا خدرت رجله تح: سمير بن أمين الزهيري،ط: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض،ط/1، 1419 ه – 1998 م(536) [11] سبل الهدى والرشاد،(6/ 42)