للتواصل: [email protected] معلوم أن كل إنسان تسكنه رغبة في الوصول إلى أحسن الطموحات، فتأخذ بتلابيبه، فلا يكاد يجد مهربا ولا خلاصا، ولطالما رددنا في الصغر " ماذا تريد ان تكون في المستقبل؟". غير أن تلك الطموحات تصطدم بعقبات كؤود، تشتد وعورة وترقى سلم المثبطات، إذا وجدت فراغا عند التلميذ/الطالب من ناحية التوجيه التربوي. ونظرا لخطورة الخطأ في التوجيه، وما يعقبه من نتائج وخيمة – في الغالب- على صاحبه، كفقدان الأمل وضعف العزيمة وتبدد الطموح وتصديق اللازمة اللعينة التي لطالما قرعت طبولها حَذْوَ آذاننا "أنا إنسان فاشل" وأخواتها اللواتي أرخين سدول ظلامهن الحالك على عقولٍ المفروض فيها أن تكون منيرة مستنيرة، فإذا بها ظلام حالك، نظرا لكل ذلك، ظهرت أهمية الاستفادة من الخبرات في التوجيه. وقد قامت الوزارة الوصية في شخص الموجهين والمستشارين التربويين بإيلاء الموضوع أهمية بالغة؛ فقد تم تأسيس مركز للتوجيه تخرجت منه جحافل من الطاقات البشرية فانتشروا في الأرض يبتغي أغلبهم خدمة الصالح العام، ثم توالت السنوات وهذا الطاقم يطور منتوجه طامحا إلى الجودة، مستعينا بكل ما يتاح له من مصادرِ التواصل، التي تختلف من عصر لآخر ومن صُقع لآخر. إلا إن قلة الأعداد المتخرجة كل سنة لا تكفي لمواكبة هذا التطور الكبير في الشعب المفتوحة امام التلميذ/ الطالب وهو ما حتم الاستعانة بوسائل بديلة، منها استثمار المواقع الاجتماعية لنشر ما يفيد في التوجيه، ومنها تأسيس مراكز التوجيه القارة بوتيرة سريعة في أغلب المدن، علاوة على البعثات الدورية التي تزور المؤسسات التعليمية قصد تمكين هذا المتعلم او ذاك من تصور واضح على كثير من المسارات المهنية والعلمية. وعليه، فهذه الجهود التي لا ينكر فضلها إلا جاحد عنيد، تبقى دون المستوى المطلوب، إذ لا تحقق الهدف الأسمى من التوجيه، وهو فهم الذات ومعرفة قدراتها بملاءمتها مع التطلعات والمؤهلات واحتياجات المجتمع. وهو ما استدعى في نظري تحركات أخرى؛ بعضها عن طريق الجمعيات الفاعلة في الميدان، والبعضالآخر عبارة عن مبادرات وأفكار فردية تخدم التوجيه. وفي إطار هذه المباردات الفردية، تدخل التوجيهات السامية للسادة الأساتذة حفظهم الله، لتلاميذهم/طلبتهم، فما فتئوا يوجهون ويحسنون صنعا في هذا المجال. غير أن فئة مهمة من أولياء التلاميذ/الطلبة لا تكاد تفقه في التوجيه شيئا، ومع ذلك انطلاقا من شعورها بالمسؤولية، وسعيا منها إلى اختيار الأحسن لأبنائهم، فإن هذا التوجيه، غالبا ما يتمظهر في هيئة طموح والدِيٍّ، قدر له أن يقبر لسنوات خلت، ويراد له الآن أن يحيا حياة طيبة، في أحلام ابن أو ابنة قد لا يجد فيها مرتعه، فينحسر من جديد ناظرا إِنَاه، وهذه مشكلة عويصة لابد من الانتباه إليها، فالأبناء لهم طموحات مهنية/ معرفية تنتظر يدا كريمة واعية تأخذها إلى التحقق وليس الطمس. وعليه فينغي ألا يَعتبر الآباءُ أبناءَهم فرصة ً ثانية لتحقيق ما عجزوا عنه في سن الطلب. بل لابد من مواكبتهم وتيسير مسارهم. وهنا تنجلي فكرة أراها ستسهم في الحد من الخصاص المهول في الأطر التوجيهية، وترسم معالم طريق النجاح لطالبه، وهي أن تستعين كل مؤسسة -بحسب قِدمها- بالنجباء من قدمائها، مرفوقين بالمُوجه التربوي المعتمد في تلك المنطقة، فوجود الموجه ضروري لأنه يملك تصورا واضحا عن مسارات وآفاق كل شعبة، فيجليها لهم، غير أن مشكل التطبيق يحول دون الإفادة الكلية من تلك التوجيهات، خصوصا مع وجود فئة تكاد تكون ببغائية تلهج ب"وماذا فعل السابقون" وهي لعمري جملة كالقشة القاسمة للظهر، تحمل سُمّا زعافا يقتل الطموحَ ويواري الرغبةَ الثرى، ولطالما عثت في الأرض فسادا. في حين أن وجود النجباء المتفوقين في خلية التوجيه – ولو عن بعد- يحمل للتلميذ/الطالب قدوة حسنة تحتذى، فيساهمون بوقتهم ومالهم وتوجيهاتهم لفك لغز التوجيه ويقللون من خطورة الخطأ فيه، وهي فكرة أشتغل عليها مع بعض تلاميذ إحدى المؤسسات ولقد لقيت استحسانا من طرف المتعلمين. علاوة على أن التقليد في التوجيه، لا يقل خطورة، فكم تلميذ/طالب أضاع نور التفوق بعد أن اختار شعبة اختارها صديقه لا يفعل ذلك إلا لأنه فعله. كما أن اختيار شعبة لا يملك من أدواتها نقيرا ولا قطميرا، يعد بداية الفشل إلا إذا ادَّاركته عناية مولوية. وعليه فلا حاجة للتهوين أو التنقيص من بعض الشعب، فعن تجربة أقول: إذا كنت متفوقا في شعبتك فلا محالة تنحل الأبواب أمامك على مصراعيها. نعم، لا تخفى سطوة الظروف الاقتصادية والتمثلات الاجتماعية في تغيير بعض القناعات عند الراغب في التوجيه، لكن الطموح ينبغي أن يُلبس رداء المقاومة، عوض عباءة الاستسلام ووهم الرضا. ولعل مسك الختام، أن يعرف المتهم أن التوجيه التربوي له دور كبير في مواصلة المتعلم للمسار الصحيح، فمتى أخطأ المسار، احتاج إلى عزيمة قوية، كي ينطلق من جديد في مسار آخر، ولن يتم ذلك إلا إذا تظافرت جهود الوزارة المعنية وموظفي التوجيه وفئات من المتدخلين في الشأن التربوي. وأخيرا؛ أيها الأب، أيتها الأم لا تحلما في جسد المتعلم/الطالب، بل خليا سبيله للإبداع في الاختيار فلربما فرب ابن أعقل وأدرى من والد والدة.