يعتبر كتاب تعليم الفتيات من الكتب المهمة التي طبعت المغرب في بدايات تشكيل النظم الإدارية الحديثة التي لعب فيها العلماء المغاربة دورا كبيرا، فأصدروا في ذلك بحوثا ومقالات ودراسات تدل على تبصر العلماء ووعيهم بدورهم وبالمرحلة الحاسمة التي سيدخلها المغرب فحرصوا كل الحرص على غرس القيم الدينية والتشريعية في نفوس الناشئة إيحاء منهم لما يمكن أن تجلبه الأيام الحبلى على المغرب، لكن الإدارة الاستعمارية آنذاك فطنت لتوقد العلماء المغاربة وحرصت على تغيب هذه الدراسات والبحوث والمصنفات أو تغيبهم هم بأنفسهم في السجون والمعتقلات، وأصبح من اللازم علينا الإشارة لهذا المجهود العلمي الذي قام به علماؤنا الكرام إبان عهد الحماية والاحتلال الفرنسي. في تلك الآونة صدر للعلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي المتوفى سنة 1372ه كتاب "تعليم الفتيات لا سفور المرأة" الذي كان عبارة عن محاضرة ألقاها بمعهد الدروس العليا بالرباط سنة 1925م وحضرها علماء مغاربة وفرنسيين وتطرق فيها للفصول التالية: تعليم الفتيات حكمته وأدلته: وبسط في هذا الفصل الأدلة على تعليم الفتيات على الشكل التالي: الأول: عدم وجود دليل في القرآن والسنة يمنع المرأة من العلم. الثاني: عدم تصور الإسلام الذي هو دين الثقافة والعلم أن يمنع نصف المجتمع من الثقافة والعلم. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" والمسلمة داخلة في هذا الخطاب النبوي. الرابع: أن الأمة مجمعة على أنه لا يجوز لامرئ مسلم أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، والمرأة داخلة في ذلك لا شك. الخامس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل للنساء يوما خاصا للتعلم والسؤال. السادس: مشاركة النساء للرجال في الأعمال العظيمة. السابع: إشارة القرآن الكريم لتعليم البنات وتهذيبهن. ماذا ينبغي أن تتعلم الفتاة وحدود تعليمها؟ وبين فيه منزلة الأم في التربية والتعليم، فإذا عُلّمت هذه الأم فإننا نحقق بذلك أفضل وأسرع طريق لتنشئة الجيل على الأخلاق والصلاح وذكر مجموعة من المعارف التي يجب أن تتعلمها البنت المسلمة وحصرها في: * تعلم القراءة والكتابة والخط والرسم. * تعلم ضروريات الدين. * تعلم الحساب والجغرافيا والتاريخ ومبادئ العلوم. * تعلم الأخلاق الإسلامية. * تعلم تدبير المنزل. * تعلم تدبير الصحة والرياضة البدنية. * تعلم فن التربية. * تعلم صنعة أو أكثر. السن التي تفارق البنت المدرسة فيه: وذكر فيه أنه يمكن للفتاة أن تحصل على التعليم الابتدائي قبل أوان الحجاب فإذا بلغته أسدلت الحجاب وأكملت دراستها. تعلمها الدروس الثانوية والعالية: وكان رأي المؤلف هنا هو عدم حاجة البنت للتعليم العالي والثانوي مراعاة لقاعدة سد الذرائع خوفا من وقوع مشاكل مع زوجها بسبب ذلك. مدارس المعلمات: وحرص فيه على ضرورة تهيئ معلمات مدرسات يقمن بتعليم البنات تعليما إسلاميا حتى لا يتم اللجوء إلى المعلمين الذكور. تحرير المرأة في الإسلام دون سفور: أشار فيه إلى تحرير الإسلام للمرأة واعترافه بحقوقها بعكس الملل الأخرى، وجعل لها مقاما رفيعا في المجتمع والعلم فقبل روايتها للحديث واعترف باجتهادها العلمي والشرعي، فالمرأة في دين الله لا تمنع من شيء فما عليها إلا المحافظة على الضوابط الشرعية فتحريرها يوصلها إلى الالتزام بدينها لا سببا في سفورها. نضال المرأة عن حقوقها بحرية تامة زمن النبوة: وأشار فيه لنماذج من نضال المرأة في الدفاع عن حقوقها زمن النبوة كأم المؤمنين سودة رضي الله عنها وقصتها مع عمر رضي الله عنه وأسماء بنت زيد بن السكن وسؤالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ما هو السبب في الأزمات العالمية: حيث اعتبر أن سبب الأزمات العالمية هو بروز النسوة من البيوت واغتصابهن لوظائف الرجال فبقي الرجل من غير وظيف، وخلعن الحجاب ودخلن السوق والدكاكين والمعامل والمهن التي لا تليق بهن. أسباب تأخر المرأة في الإسلام وكيف كان تقدمها: وأشار فيه إلى أن سبب تأخر المرأة المسلمة في العهود الأخيرة هو إهمال تعليمها بعكس العهود الأولى للإسلام حيث كانت المرأة عالمة راوية ومحدثة. إن موضوع هذا الكتاب يعتبر حقا سابقة علمية شهدها المغرب آنذاك لقيت ترحيبا من البعض لكنها في مقابل ذلك لقيت معارضة صلبة من الكثير خصوصا من المقري الذي كان يتمتع بنفوذ سلطوي واسع، فقد عارض الحجوي في خطته التعليمية هذه بل كان يقاطعه أثناء محاضرته، يذكر الحجوي أنه سنة 1949م كان ممنوعا من تفقد مدارس البنات بإشارة من المقري وذكر ذلك الحجوي في كتابه "تفقد مدارس البنات" الذي لا زال مخطوطا لم يطبع بعد وسنخصص له عددا للتعريف به. كما خالفه كذلك وزير العدلية آنذاك الشيخ أبي شعيب الدكالي معتبرا أن تعليم الفتاة سيضر المجتمع ويؤدي إلى سفور المرأة وتبرجها لكن الحجوي عبر عن رأيه في الموضوع قائلا [هذا وإني أعلم أن الذين أنكروا علي الحث على تعليم البنات لهم قصد حسن وغيرة حملتهم على ذلك وقصدهم هو سد الذريعة خوف الوقوع في العار وفي مفاسد ربما تنشأ عن تعلمهن لكني أقول لهم: إن هذا رأي متطرف عن الشريعة الإسلامية في منع النساء من العلم وأحقق لكم أنه لا مفسدة إذا علمن التعليم الذي أريده على الكيفية التي أوضحتها]. فقد عبر الحجوي في هذا المقطع بحق عن رأيه في تعليم الفتاة المغربية وهو دليل على أن العلماء المغاربة هم من ضحوا بأنفسهم وراحتهم وأمنهم وأمن عائلاتهم وذويهم في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة المغربية التي أغتصبها الاستعمار وحاول جاهدا تشويه المعارف الإسلامية ومحاولة كبت وإخفاء أي دليل علمي وعملي يبين حقيقة قيمة وكرامة المرأة في دين الله، وحرص مع ذلك على نشر وإشاعة الأفكار التي تمنع النساء من الوصول لحقهن، ناسبا ذلك إلى الشرع في تزوير للحقائق التاريخية، بينما كان اختلاف الفقهاء في توسيع دائرة سد الذارئع وتضييقها لا في منع المرأة من العلم.