إستدانت الحكومة مليار أورو في السوق الدولية بمعدل فائدة منخفض لم يتجاوز 1.5%، ويأتي اللجوء للسوق الدولية للإستفادة من معدلات الفائدة المتخفضة، وذلك بعدما استدان بأزيد من ضعف النسبة سنة 2014 (3.5%) آخر لجوء له للسوق الدولية ! فما الذي كان خلف هذه الكلفة المنخفضة إلى جانب الفوائدة المتدنية؟ وفق قراءة أولية فإن المغرب استفاد وإلى حد بعيد* من الإصلاحات السياسية و الماكرو اقتصادية التي أجرتها حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران واستمرت في أغلبها حكومة د. سعد الدين العثماني، وذلك أساسا بتقليص عجز الميزانية بشكل كبير و القانون التنظيمي للمالية. يتعلق الأمر بانجاز اقتصادي يرجع لأساس اصلاحي سياسي!! و كما سيمكن كنتيجة طبيعية من تقوية صورة المغرب و رفع رصيد العملة الصعبة من الاورو، سيمكن، وهذا هو الذي أعتقد مهما؛ السوق الداخلي من تخفيف معامل إزاحة الرأسمال من تمويل القطاع الخاص، فالدين العام ممول بالأساس من البنوك والمؤسسات المالية الوطنية، ودور الأخيرة تمويل الاقتصاد وتجنب حالة لا تبتعد كثيرا عن الريع في التعامل مع سندات الخزينة المضمونة والخالية من أية مخاطر، وذلك رغم أن وزارة المالية تدعي أن المعامل المذكور غير موجود رغم ارتفاع نسبة الدين الداخلي بشكل كبير من الدين العمومي! هل سيرتفع تمويل الاقتصاد (المقاولات الصغيرة والمتوسطة) جراء هذا المعطى الجديد ؟ خاصة وأن حاجة المغرب للديون الخارجية تجاور ال 27 مليار درهم، أي حوالي 2.7 مليار أورو، فالمليار أورو الذي جمع لا يشكل الا الدفعة الاولى، وذلك على اعتبار الاستمرار في الاستدانة بمعدل ضعيف؟ الطبيعي أنه سيتحسن نسبيا لأن جزء من التوظيفات سيتحرر ويبقى للسوق الداخلي، لكن ليس بالضرورة!! فالتجربة توضح أن البنوك لا تفكر في المخاطر إلا كآخر ملجأ، وأنه على سبيل المثال، رغم تخفيض معدل الفائدة المرجعي على محطات كثيرة منذ 2013 وبنسب مهمة (3% في 2014 الى 2.25%، مارس 2019 ) فإن سرعة انتقال الانخفاض لمعدلات الفائدة في الإقراض بطيئ وحجمه محدود كذلك، وتحقق البنوك على طول سنوات الأزمة التي تعرفها المقاولات والقطاع الاجتماعي (أقصد منذ بدأ الأزمة العالمية وتراجع الطلب الخارجي)، تحقق أرباحا صافية غير مسبوقة. إن التناقض حاصل والبون شاسع بين المجهود الحكومي والسياسي، التشريعي والتنظيمي؛ وبين واقع السوق المفخخ بالاحتكارات والريع، والإدارة البطيئة الغير مواكبة لنسق الاصلاح والفاسدة في جزء غير يسير منها، تغدو أي سياسة حكومية مع الجسمين دون فعالية كبيرة، وتبقى محدودة لأن قنوات وهياكل تصريفها غير مواتية. لا تحتاج البلاد من سياسات إصلاحية أكثر من كسر بنيات الريع المنتشر في مختلف القطاعات، مع مواجهة جدية للفساد ! فالإنجازات التي تحقق في قطاعات تصَفَّر عندما تصطدم بنطاقات سلبية في قطاعات أخرى، والنتيجة حال البلاد اليوم: تقليص العجز بنسب مهمة، مجهود عمومي في الاستثمار يفوق كل الأرقام منذ الاستقلال… وآخره استدانة بمعدل جيد، تحسين مناخ الأعمال ! يقابله نمو ضعيف** وتمويل ضعيف للمقاولات و بطالة مرتفعة، و بالتالي خصاص اجتماعي كبير لم تكف المجهودات الحكومية لتجاوزه. ……………………………………… * جزء من انخفاض نسبة الفائدة يرجع كما ذكرنا لانخفاض الفوائد و سياسات التيسير الكمي quantitative easing وتراجع برامج إعادة الهيكلة المالية في جنوب أوربا. ** النمو ضعيف راجع كذلك لتراجع الطلب الخارجي، والمطلوب خلق طبقة متوسطة عريضة ترفع الطلب الداخلي ويعتمد عليها في أي اقلاع اقتصادي جاد.