يرى بعض الناس، عن حسن نية أو عن جهل، أن الحكومة الحالية نجحت بالمقارنة مع حكومات سابقة. ويبدو أن خطاب بنكيران الشعبوي أفلح في شل العديد من العقول ومنعها من التفكير في واقع اﻷمر كما هو ﻻ كما يقدمها خطاب مغالط، ولعل هذا هو النجاح الوحيد الذي يحسب له، وهو نجاح قابل للارتداد على صاحبه ك"بومرانغ " ( كيد الكائدين يرجع لهم وعليهم). لذلك وجب التوقف عند حصيلة الحكومة لتبيان حقيقتها بالمعطيات واﻷرقام في آخر هذه السنة التي تسبق سنة انتخابية وإزالة الغشاوة التي يجتهد البعض، بما في ذلك بعض سماسرة اﻷفكار الجدد الباحثين عن الريع اﻹسلامي، في نشرها بكثير من اﻻدعاء والحذلقة. لنبدأ من حيث تجب البداية. من المفروض أن تتوفر أي حكومة على سياسة اقتصادية. هذا ما بات بديهيا مند "نيوديل" ، وباﻷخص في صيغته الثانية، بناء على أفكار اﻻقتصادي البريطاني كينز. والسياسة اﻻقتصادية تعني ببساطة تنسيق السياسة المالية والسياسة النقدية للوصول إلى تحريك عجلة النمو من أجل إحداث أكبر عدد من مناصب الشغل وتوزيع المداخيل لتحريك الطلب واستتباعا العرض واﻹنتاج, ورغم التغير الذي عرفته السياسة النقدية في الوﻻيات المتحدة في نهاية سبعينات القرن الماضي، بعد فك ارتباط الدوﻻر بالذهب وإعمال التعويم وبالتالي انتصار النقدوية ذات الميل المتوحش، فإن معادلة السياسة اﻻقتصادية بقيت قائمة والهدف بقي نفسه على هذا النحو أو ذاك، واليوم تعود اﻷمور إلى المجرى الذي انحرفت عنه بعدما تبين أن تركيز السياسة النقدية على استهداف التضخم أكبر كذبة، إذ صار اﻹصدار النقدي ( Quantitative easing) بدون خوف من اﻷثر التضخمي ساري المفعول في اليابان والوﻻيات المتحدة وبريطانيا، وفي منطقة اﻷورو مند 2015، رغم استمرار صندوق النقد الدولي في بيع بضاعته الفاسدة للمتخلفين. ماهي السياسة اﻻقتصادية لحكومة بنكيران لكي يدعي النجاح؟ لقد تبين بسرعة قياسية أن هذه الحكومة تولت المسؤولية خاوية الوفاض إﻻ من خطاب شعبوي عن محاربة الفساد، وأنها ﻻتعرف السابق من اللاحق، في ظل ارتفاع عجز الميزانية والحساب الجاري لميزان اﻷداءات، وﻻ تعرف شيئا عن اتخاذ القرار ومسؤولية الدولة، ﻷن هده اﻷمور لم يتطرق لها البنا أو البخاري أو المودودي، وبدل أن تقر بعجزها وجهلها، فقد سارت في طريق العشوائية وكادت البلاد تؤدي ثمن ذلك غاليا. أمام عجزها، لم تجد قارب النجاة إﻻ في صندوق النقد الدولي الذي أسلمت له اﻷمر، وورطت البلاد في التزامات مؤثرة على سيادة قرارها على عكس ما تدعي زورا وبهتانا. فقد وقعت مع صندوق النقد مند ثلاث سنوات ونصف اتفاقية غبية بكل المقاييس تلتزم بمقتضاها بعدد من اﻷهداف التي تشبه أهداف برنامج التقويم الهيكلي تفصيلا مقابل قرض احتياطي (خط الوقاية والسيولة) عبرت عن رغبتها على عدم استعماله، مع أداء كلفته السنوية. ومند ذلك الحين صارت تلك اﻻلتزامات تتحكم في القرار وتوجهه، وصارت بعثة صندوق الدولي تراقب دوريا مدى اﻻلتزام بأهدافها. واﻷهداف الواردة فيها معروفة للجميع: إلغاء صندوق المقاصة تدريجيا، مراجعة وضعية صناديق التقاعد، نقل العبء الضريبي إلى الضريبة على القيمة المضافة وتخفيضه بالنسبة لرأس المال، خوصصة الخدمات اﻷساسية وإنهاء التقنين.... التحويلات النقدية المباشرة، تقليص الموظفين وكتلة اﻷجور في القطاع العام، مناخ اﻷعمال.. تحرير السياسة النقدية.أي كل ما يدعي بنكيران أنه من عنديته وأنه صاحبه، والحال أنه يردد ما يأتيه من توصيات من عند ﻻغارد بعد كل مراقبة كأي براح في اﻷسواق التقليدية، مع وجود البوق والجذبة مالفوق. إن خط الوقاية والسيولة لم ينفع كضمانة للخروج للسوق الدولية لرأس المال، ﻷن الحكومة لم تخرج إلى هذه السوق إﻻ بشكل محدود جدا، نظرا للتهيب منها والخوف البليد ومجئ التمويلات الخليجية بعد امتناعها في البداية، وﻷن بنك المغرب لين سياسته، بعد تليين سياسة البنك المركزي اﻷوروبي، وتحول إلى ممول أساسي للدين العمومي الداخلي عبر حيازة أدون الخزينة، لكنه بقي ضاغطا على القرار اﻻقتصادي بقوة حد خلق الحجز الذي جعل نمو القطاعات غير الفلاحية ضعيفا، وجعل هدف 5 في المائة كمعدل للنمو سنويا مستحيلا، وجعل نمو اﻻستهلاك الداخلي، المحرك اﻷساسي للنمو في ظل نموذجنا اﻻقتصادي غير القابل للتغيير إﻻ على المدى البعيد جدا، إدا زاد العرض الصناعي بالخصوص، يتباطأ سنة بعد أخرى، وباﻷخص مكونه الرئيس المتمثل في استهلاك اﻷسر. وامتدادا لذلك، فقد فشلت الحكومة فشلا دريعا في إحداث فرص الشغل ومحاربة البطالة، بل إن حصيلتها الملموسة هي ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 10 في المائة كمعدل وطني وإلى أكثر من 15 في المائة في الوسط الحضري، مع بلوغه مستوى قياسيا بالنسبة للخريجين. هكذا كانت السياسة اﻻقتصادية الموحى بها من طرف صندوق النقد الدولي فاشلة في بلوغ اﻷهداف المعلنة في ميادين النمو والتشغيل والنجاح في تخفيض عجز الميزان التجاري والميزانية ﻻصلة له بها وإنما يعود إلى انخفاض أسعار البترول والمواد الطاقية واﻷولية، بما فيها الغدائية، في السوق الدولية وكذلك إلى المساعدات الخارجية والمطر، أي البركة، ولوﻻ تدخل هده العوامل لظهر أن حكومتنا في حيص بيص ولتبين عجزها وﻻنفضح الكذب. فاش نجح بنكيران؟ فالدوخة وتعمار الشوارج . هذه مقدمة والبقية تأتي مرقمة.