هوية بريس – الخميس 07 ماي 2015 س: في سياق صعود التيارات اليمينية في ألمانيا، وفي ظل الدعوات الموجهة للمسلمين بضرورة الاندماج الإيجابي مع المجتمع الألماني، هل من إستراتيجية واضحة لتعزيز دور المسلمين وإثبات وجودهم وزيادة إسهاماتهم المجتمعية، بطريقة يفهمها المجتمع الألماني؟ ج: إن ما تفضلتم به من كون الألمان يدعون المسلمين إلى ضرورة الاندماج؛ هذا كلام صحيح، وليس الأمر مقتصرا على المسلمين؛ بل إن كل أجنبي دخل إلى ألمانيا بغض النظر عن كونه مسلما أو غير مسلم هو مطالب بالاندماج، وقد وضعت السلطات الألمانية لتحقيق هذا الهدف مجموعة من القوانين يلتزم الداخل إلى البلاد بتنفيذها وتمثلها؛ من ذلك إحداث دورة إلزامية لتعلم اللغة الألمانية، وتستغرق مدة ستة أشهر، ويحرص برنامج هذه الدورة على أن يلقن للمتلقي إضافة إلى اللغة وقواعدها مجموعة من الأعراف والتقاليد المتبعة في البلاد سواء من خلال الصور أو الأمثلة المضروبة في كتب برنامج الدورة أو النصوص الحوارية التي يجريها المشرف مع المتعلمين أو تقترح على المتعلمين فيما بينهم، وهذه الدورة موضوعة بعناية مركزة ويراد لها أن تحقق أهدافا معينة، بحيث إن الخارج منها إن لم يكن ذا خلفية مسبقة يأخذ ما يناسب مرجعيته ويراجع الباقي يخرج وقد تعرف على عوائد الألمان في مجملها وطرائق عيشهم، وحقيقة إن الدعوة إلى هذا الأمر تتبناها كل الجهات والمؤسسات الألمانية. طبعا يدعون إلى الاندماج كما يتصورونه هم، ونحن بوصفنا مسلمين مقيمين في هذه البلاد التي تكفل الحرية لكل فرد، نقول نعم للاندماج لكن لا للذوبان، ونقصد بالاندماج التمكن من لغة البلد، وقوانينه، وعاداته، وهو أمر لا أحسب أن مسلما يجادل فيه، لأن كل ذلك من مكملات الدعوة وتبليغ الرسالة؛ بمعنى أن يتمكن المسلم من ذلك مع الاحتفاظ بهويته وشخصيته وعقيدته ودينه. س: نقدر الدور الكبير الذي يقوم به الدعاة والجمعيات والمراكز الإسلامية في مجال الدعوة وخدمة المسلمين في ألمانيا وغيرها، ونعلم مدى صعوبة هذا العمل في أجواء التغيرات السياسية والإعلامية، فما هي وسائلكم لتصحيح صورة الإسلام لدى المواطن الألماني خاصة مع اتساع دائرة الإسلاموفوبيا؟ ج: من وسائل الأقلية المسلمة في الغرب عموما وألمانيا خصوصا في تصحيح صورة الإسلام لدى الأخر؛ المشاركة في الأعمال ذات الصبغة الاجتماعية والبيئية؛ فمثلا نحن في مدينة فوبرتال الألمانية عندنا أيام لتنظيف شوارع المدينة وأزقتها؛ فهو يوم يخرج فيه المواطنون من كل المشارب من اجل هذا الهدف، فنحن نعبئ المسلمين من خلال دعوة علنية و إعلان مكتوب من اجل أن يحضروا في اليوم المحدد، ويساهموا في تنظيف المدينة باعتبارها مدينة لهم، وهم يشكلون جزءا من ساكنتها، فيكون التفاعل كبيرا وفي مستوى مقبول. أيضا عندنا يوم يسمى باليوم المفتوح للمساجد، ويكون في الثالث من أكتوبر كل سنة، تفتح المساجد أبوابها من التاسعة صباحا والى السادسة مساءا، ونكون مجموعة من اللجان؛ "لجنة الإرشاد" التي تعرف بالمركز وتاريخه وانجازاته وأعماله، ومرافقه و"لجنة البيان الديني" بقيادة الإمام، غرضها الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالدين واذكر هنا أننا في كل سنة نستقبل واحدا أو أكثر ممن يدخل الإسلام في هذا اليوم. ففي الجانب الإنساني والاجتماعي يتم إبرام الاتفاقيات مع السلطات فيما فيه نفع للجميع، واحتضان حالات الاحتضار والوفاة، وافتتاح مساجد جديدة، وتنظيم إفطار جماعي في رمضان، ودعوة السلطات الألمانية للمشاركة في الفعاليات المنظمة، زيارة السجناء، وعلى المستوى الثقافي؛ يتم عقد طاولة الحوار بين الأديان، والإسهام في تكوين المؤطرين، والقيام بأنشطة متنوعة، وتنظيم يوم:"الإسلام يجب ما قبله"، والاهتمام باللغة، وافتتاح مؤسسات ثقافية تابعة للمساجد، والاهتمام بالأطفال تربية وتعليما، وفي الجانب السياسي يتم الدعوة إلى التصويت على الأصلح والأقرب إلى اهتمامات الأقلية المسلمة، وتمثيل الأكفاء من المسلمين في المجالس البلدية، فهذه بعض الوسائل الكفيلة بتصحيح صورة الإسلام لدى الألمان ومجابهة دعوات الكراهية التي تتقاذف المسلمين. س: حدثنا عن الواقع الاجتماعي والثقافي لمسلمي ألمانيا فيما يتعلق بهويتهم وعاداتهم، وما أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك؟ ج: الواقع الاجتماعي والأسري لمسلمي أوروبا خاصة في ألمانيا، هو واقع ليس بالمريح وليس بالمطمئن؛ وذلك إذا ما نظرنا إلى ما يعتريه من حالات تدل على عدم عافيته، ويمكن أن ننظر إلى هذا الواقع على عدة مستويات: أولا عدم وجود قيادة توحد المسلمين؛ بحيث أننا نرى تضاربا وتشويشا، وربما عصبية وقومية في بعض الأحيان تظهر في اجتماعات الناس في نواديهم ومساجدهم، إذ لو وجدت قيادة موحدة لاستطاعت أن تضرب على أيدي المشاغبين منهم، ليتحقق الأمن والاجتماع، وهذا الأمر يظهر في عدة أماكن، وأكثر الأماكن ظهورا فيها هي المساجد للأسف. المستوى الثقافي لغالبية المهاجرين، إذ نعلم أن المهاجرين الأوائل دخلوا إلى أوروبا واغلبهم بغير حصانة ثقافية تقيه من التحديات والصعوبات، وهذا المستوى لم يمكّن هؤلاء الناس من فهم طبيعة مساحات الحرية التي يخولها القانون الألماني، وبالتالي ينعكس مثلا مفهوم الحرية على أسرهم وأبنائهم وأنفسهم، ولذلك نحن ننادي بالاندماج داخل المجتمعات الألمانية، بل إننا بحاجة إلى دعوة مضادة، وهي أننا لابد من دعوة إلى إدماج المهاجرين في وطنهم الأم. الاهتمام بالجانب المادي فقط، مما يجعل الواقع مريرا؛ فالناس في مجملهم يهتمون بالجانب المادي والتحصيلي للمال إلى درجة أن البعض منعوا أبنائهم من متابعة الدراسة من اجل الولوج في العمل، ولهذا نحن إذا نظرنا إلى الجامعات الألمانية لا نجد فئة الطلبة الباحثين، لكن في السنوات الأخيرة دخل مجموعة من الطلبة المسلمين إلى الجامعات من اجل التحصيل العلمي، فالتحقوا بالمساجد والمؤسسات، فبعضهم صار عضوا في الإدارات والترجمة، فبدا الأمل وبدأت الأمور تنصلح شيئا فشيئا، ولعل مع هذا الجيل الثالث أو الرابع، ودخول هؤلاء الطلبة، ينصلح الأمر، فهذه النهضة العلمية الثقافية لا اشك في انه ينعكس على الأقلية المسلمة بالإيجاب، في الأسر والأعمال، كل ذلك سيكون دور له عظيم إن شاء الله، فالمسلمين في الآونة الأخيرة مطالبون بمضاعفة الجهد، لأننا نحن في زمن اتهام الإسلام والمسلمين في كل الأحداث السلبية، مما يستدعي مضاعفة الجهود من اجل تحسين الصورة الجيدة للإسلام كما أراده الله تعالى، وهذا لا يتأتى إلا بتغيير النفس؛ أي العلم بالإسلام والتعرف عليه، وعلى خصائصه، وعلى مزاياه، ثم لابد من الجهد من اجل التوفيق بين النموذجين المصاحبين للمسلم، فالمسلم لما يدخل من المغرب أو تونس أو من أي البلاد يدخل بحمولة وأعراف وعادات، فيجد أعرافا أخرى وعادات أخرى، فهو يعيش في تناقض وازدواجية، وهذا الأمر نلحظه عند أبنائنا الذين يوجهون في الأسرة توجيها ما ،ويوجهون في المدارس توجيها آخر، فالإشكال الكبير هو كيف يمكن للأقلية المسلمة التوفيق بين هذين النموذجين، بمعنى أن تتبنى الرؤى ولكن تضمنها وتلبسها مضامين الإسلام والهوية؛ فالحرية نأخذها لكن من منظور إسلامي، والحوار نأخذه لكن من منظور إسلامي، فهناك ثوابت لا يمكن أن الحوار عليها، نأخذ القيم، لكن نناقشها من وجهة نظرنا نحن باعتبارنا مسلمين. س: كيف تنعكس المشاركة الدعوية على تقليص تحديات المسلمين في ألمانيا؟ ج: صحيح أن التحديات كما سبقت الإشارة إليه كثيرة جدا، والدعوة تعمل عملها، ولابد من تبني الوسائل الحديثة؛ من تنظيم الورشات، والدورات التدريبية، والتأهيلية، ولابد أن يظل الوعظ والدعوة على طريقتها القديمة، وأن تظل كما هي، لأن لها نفعا، والذي ينبغي التأكيد عليه، هو وجوب تطور الدعوة؛ فلابد أن تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الواقعية، وان تأتي الناس من حيث يحبون، فالناس الآن جلهم غارقون في المواقع التواصل الاجتماعي، فلابد وان تدخل الدعوة هذه السبل؛ فالخطبة تلقى على المنبر، لكن من يمنع من وجود موقع تنشر فيه الخطب، وإنشاء صفحات على "الفيسبوك" وهكذا فالدعوة لابد لها من تطوير. * عبد الناجي البدوي: مؤطر للأقلية المسلمة في ألمانيا، وإمام وخطيب بالمركز الإسلامي لمدينة فوبرتال بألمانيا.