شكل موضوع الجالية المسلمة وسؤال الاندماج والتعايش على مدى يومين محور نقاش عميق برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش شارك فيه ثلة من الباحثين المغاربة والأجانب جاؤوا من عدة دول عربية وأجنبية. وقد بادر كل من فريق البحث في قضايا المهاجرين بالخارج وفريق البحث في قضايا الاسرة والتنمية إلى تنظيم هذه الندوة لتقديم عدد من البحوث التي أنجزت على مدى السنوات القليلة الماضية ، وأيضا لإغناء النقاش في مواضيع حساسة باتت تشكل هاجسا لدى الجالية المسلمة والمغربية على الخصوص تطرح فيها أكثر من سؤول وتنتظر أجوبة مقنعة. وقد خلصت المداخلات إلى ضرورة الزيادة في الاهتمام بهذه الشريحة من المواطنين التي قدر لها أن تعيش في بلد غير بلدها الأصلي مع الاهتمام الكامل بتدينها اوتفقدها وزيارتها وعقد ندوات علمية لديها هناك مع ضرورة تصدي العلماء إلى قضايا المهاجرين في إطار صياغة مشروع حضاري لحفظ هوية الأمة والتعريف بها. ونظرا لقيمة البحوث التي قدمت ومستوى الباحثين المشاركين نقدم لقراء التجديد أهم الأفكار والتوصيات التي جاءت في هذه الندوة التي ساهم في إنجاحها الدعم المادي والمعنوي لمجلس الجالية المغربية بالخارج والحضور الشخصي لرئيسه الأستاذ عبد الله بوصوف، وأيضا الحضور المتميز للطلبة الباحثين الذي ينتظر منهم أن يحملوا مشعل الاهتمام بقضايا الجالية وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكلهم والجواب على أسئلتهم اليومية. فقه الأقليات متجاوز أبرز الدكتور سعيد شبار من جامعة بني ملال في مداخلة بعنوان «من فقه الأقليات إلى فقه الاندماج و التعايش» الحاجة الحقيقة للتواجد الإسلامي في الخارج ، والذي لم يعد يطرح نفسه كأقلية تحتاج إلى حلول هي أقرب ما تكون إلى مخارج وقتية منها إلى علاج استراتيجي عميق. هذا الوجود الذي بات يشكل ثاني وجود في العالم الغربي، هو في حاجة إلى فقه متجاوز لما عرف بفقه الأقليات. فقه يمكنه من الاندماج والتعايش الايجابي، أي الانخراط والإسهام في البناء والتنمية على مختلف الواجهات مع الحفاظ على الهوية والمرجعية وتفعيل قيمها وإمكاناتها في هذا الاندماج بما يحقق التواصل الايجابي وليس الانعزال السلبي. وذلك ما يمكن أن يتيحه فقه وفكر الاندماج والتعايش في أفق بناء ثقافة تحافظ على الهوية وتحمي الكيان. وبين الدكتور محمد الكدي العمراني من جامعة فاس أن الجالية المسلمة المقيمة في الخارج من أكثر الجاليات تعرضا لمحاولة الذوبان والانسلاخ، تحدث عن ضوابط الاندماج المنادى به، ورسم حدودا للتأثير والتأثر المتبادل بينها وبين مكونات مجتمع الإقامة، وهي: استشعار قيمة وأهمية الحضارة والدين والثقافة التي يمتلكها المسلمون، وأنها حضارة ربانية صالحة لكل الأزمنة، ونافعة للإنسانية كلها. والاعتزاز بهذا الموروث، والعمل على نشره، وإطلاع الناس عليه، ومخالطة الناس والتأثير فيهم والتأثر بالصالح مما عندهم، في جميع ميادين الحياة؛ اجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، ومعايشة والاحتراز من الانبهار الثقافي والحضاري الذي غالبا ما يؤدي إلى الانصهار وفقدان الخصائص وضياع الهوية. والتسليم والتيقن من أن الحضارة دول بين المجتمعات والأقوام والأجناس البشرية، ومعاملة الناس بجميع أصنافهم، على قدم المساواة والاحترام والتقدير، إلا من أبدى الخصومة والعداوة وخدمة الآخرين، وتقديم العون لهم، والسعي في مصلحتهم، والصدق والإخلاص في التعامل مع الآخر، ووضع آلية مرنة ومتطورة مع الزمان لاستمرار الحفاظ على الأجيال المتعاقبة من الوقوع فيما يخشى منه على الجيل القائم الحاضر، والحرص من طرف الجالية المسلمة على التوفيق بين خصائصها ومميزاتها، مع خصائص ومميزات المجتمع المضيف، وعدم الوقوع في إقصاء أحدهما الآخر. أما الدكتور عبد اللطيف أيت عمي من مراكش فبين أن وجود الجالية المسلمة في أوروبا يرتبط باستعمار الغرب لكثير من الدول الإسلامية، وأنها تنقسم إلى قسمين رئيسين هما: المسلمون الوافدون وهم أصناف، والذين اعتنقوا الإسلام من أهل هذه البلاد. وخصص المبحث الأول لمفهوم الاندماج. وخصص المبحث الثاني لبيان ثلاث مسائل: المسألة الأولى ومضمنها أن الاختلاف بين البشر من سنن الله في خلقه، وأن الإسلام يدعو إلى التعارف والتعاون والتعايش، مع احترام الخصوصيات الدينية والثقافية لجميع الشعوب والحضارات، والمسألة الثانية: بين فيها أهم العوامل المساعدة على الاندماج ومنها : اللغة، والعمل، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية، وعضوية الأحزاب والمنظمات الحكومية السياسية، والإلمام بقوانين وأعراف بلد المهجر والمسألة الثالثة: عرج فيها على كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على الهويّة والشخصية في المجتمع الغربي وبين الانخراط والتفاعل مع أهل البلاد الأصليين دون الذوبان. وفي الأخير تحدث عن أهم مجالات الاندماج وذكر منها اللغة والسياسة والاجتماع والثقافة. الاندماج الواعي أوضح الأستاذ محمد العمراوي من سيدي سليمان أن فهم بعض المصطلحات لمفاهيمية ومنها مفهوم الاندماج، ومفهوم التواصل، ومفهوم التعارف، ومفهوم التعايش ومفهوم التعاون، وفصل القول في بيان حدود الرؤية المؤسسة لهذه المفاهيم والمجالات التي ينبغي أن تحكم فيها من شانه أن يحدد الضوابط الكلية والقيم النبيلة لتحقيق الاندماج الإيجابي والبناء وفي مقمتها قيم العدل والإنصاف والحرية. وقال الدكتور أحمد العمراني من الجديدة إن الاندماج الذي نريده ونؤسس له للاستفادة منه، وإفادة جاليتنا بخلاصته، هو اندماج محمود، يحافظ على الهوية ويصون الكرامة، اندماج وسط، لا يقع في الذوبان، ولا يميل نحو الانكماش والانعزال. اندماج محاط بعراقيل تتمثل في الثقافي لأبناء الجالية، والنظرة السلبية من الوافد للحاضن، وكذا نظرة الحاضن للوافد، وصعوبة الاندماج الجماعي، وأثر التجمعات العرقية والدينية وبناء المدارس الخصوصية في هذه الصعوبة. كما ينبغي من أجل اندماج راشد العمل على إيجاد مؤسسات ثقافية تعمل على صياغة الوعي الإسلامي الناضج، وكذا العمل على محو الذاكرة السوداء، وطرح مشاريع مشتركة مع الآخر في الوطن والقارة، مع الحرص على إيجاد الشخصية المتوازنة. لنصل إلى تحرير الانسان الأبيض من الخوف، والسير نحو المصير الطبعي المتمثل في الاندماج، تحقيقا لإسهام فاعل من المسلمين في بناء وطنهم الجديد، والتي تعتبر من الدواعي الأساسية لاندماج مضبوط مقبول. ورصد الدكتور محماد رفيع من فاس موضوع الأصول الشرعية التي ينبني عليها مفهوم الاندماج مع المخالف، من خلال تتبع واستقراء نصوص الكتاب والسنة وشروحها في المدونات التفسيرية والحديثية، واستخلاص ونظم تلك الأصول في سياق تحليلي تعليلي يثبت أصالة وثبات مبدأ الاندماج مع المخالف، تماما كما يكشف عن تعدد صور الاندماج وتنوعها بحسب تنوع البيئات الثقافية والاجتماعية والقيم الحضارية بين المجتمعات. وحاولت مداخلته أن تسهم في الإجابة عن واحدة من أهم نوازل فقه المهجر المعاصرة، فتندفع ترددات كثير من المسلمين في موضوع الاندماج في المجتمعات المستقبلة، ويتحقق للجالية المسلمة الاستقرار فالتفاعل الإيجابي مع مجتمعاتهم حتى يصبحوا كثلة اجتماعية وحضارية مؤثرة في مراكز القرار. وركز الدكتور زكرياء المرابط من مراكش في مداخلته على مركزية المسجد في التخطيط، وعلى رسالته الدعوية. وتناول في المبحث الأول إسهام المسجد في تحصين المسلم في المجتمع غير المسلم وتربيته؛ وذلك بإصلاح تصوره، وسلوكه، والتزامه، وإعداده إعدادا يؤهله لتبليغ دعوة ربه. وتناول في المبحث الثاني إسهامه في ترشيد اندماجه، وأن عليه أن يدعو إلى الله على هدى وبصيرة، ويشارك في كل ما من شأنه ألا يقوض ثوابت الأمة ومقوماتها الحضارية، وألا يحدث خللا فيها، ويتعاون مع الغير على البر، ويناصر قضايا المستضعفين، ويقف في وجه المفسدين والمستكبرين. فرص التعارف وانطلق بحث الدكتور عبد الرحمان العمراني من بيان أصناف المسلمين في أوربا لأنهم ليسوا فئة واحدة ، ولكنهم أصناف متعددة لكل صنف منها همومه وانشغالاته ، لذلك كان الشرط الأول لانخراطهم في البناء هو توحيد تصورهم واتفاقهم على برنامج عملي ذي أهداف واضحة ووسائل في المتناول. والشرط الثاني إدراكهم المعيقات التي تمنع انخراطهم في مشروع البناء من أجل تفاديها والعمل على التنقيص من مؤثراتها، وهي معيقات موضوعية تراكمت مع الزمن في سياق علاقة المسلمين بالعالم المسيحي وذاتية تتمثل في تدبدب المسلمين بأوربا بين خيار الانعزال عن المجتمع وما ينتج عنه آثار سلبية بقضائه على كل فرصة للتعارف، وبين خيار الذوبان وما ينتج عنها من انسلاخ عن مقومات الهوية. والشرط الثالث يتعلق بمنهجية العمل ويتجلى في وضوح الشخصية المسلمة سواء في الطرح والقوة فيه، والصدق في الإنجاز من أجل اكتساب ثقة الآخر، وهذا أمر يحتاج إلى تطوير الذات وامتلاك آلة العلم من أجل الدخول في صميم المجتمع ولانطلاق في ذلك من الشعور بالمسؤولية عن التخلف والتأخر. والشرط الرابع هو التركيز في الدعوة إلى القيم الفاضلة وترسيخ جوانب الاتفاق والمواضيع المشتركة بين أبناء أوربا بمختلف مشاربهم نحو مواجهة الفكر العنصري وإشاعة ثقافة التسامح ونبذ التطرف والدعوة إلى التماسك الاجتماعي، والشرط الخامس هو الاهتمام بتطوير دور مؤسسة المسجد وتأهيل المؤطرين. واعتمد الدكتور عبد الجليل أميم من مراكش على قرار ولاية بايرن Bayern لسنة 2008 ويتكون هذا القرار من ثمان عناصر أساسية لامست التعريف بالاندماج وآلياته وكذا حدوده، وخصص الجالية المسلمة بالذكر دون غيرها من المهاجرين وتناول خصوصياتها وعرجت على المطلوب منها. واعتمد الباحث في البيان على منهجية التحليل الإديولوجي، و خلص إلى أن مبادئ الوثيقة تطرح عدة تحديات يصعب على الفاعل السياسي و كذا المهاجر أجرأتها على أرض الواقع، بل إنها تحمل في ذاتها تناقضات تفرغها من محتواها. وأجمل ملاحظاته في الآتي: لا نجاح الاندماج بدون إدماج المستهدفين به و هم الشعب والأقلية في عمل مشترك مستمر يراعي خصوصيات كل جانب. لا يمكن إلغاء الهوية الإسلامية أو استبدالها عند المسلمين لأنها تستوعب المواطنة و تعلو عليها لا العكس. هناك خصوصيات مرتبطة بالإسلام كمنهج حياة لا نجاح الاندماج بدون فهمها واستثمارها في تطوير برامج الاندماج. لا يمكن إنجاح فعل الاندماج بالنظر الإيديولوجي بل بالفعل السياسي المسؤول. أبرز معيقات فعل الاندماج تقع خارج دائرة الجالية المسلمة وهي الأحداث السياسية العالمية المرتبطة بالعالم الإسلامي و كذا بالسياسة الخارجية للغرب، زد على ذلك سلوك وسائل الإعلام اللامسؤول في عملية الاندماج . الوضوح في الرؤية و الصدق في القول و العمل مطلب أساسي يجب أن يأتيه الساسة و الشعب و كذا الأقليات, الاندماج يمر أولا عبر التخلص من الأحكام المسبقة من الطرفين. اندماج الشباب عرج الدكتور مصطفى السعليتي من مراكش في مداخلته على بيان عوامل فشل اندماج الشباب أو نجاحه في الدول الأوربية واعتمد المقاربة السيكوسوسيولوجيا لفهم إشكالية الاندماج والتي ركزت بالأساس على العلاقة بين التمثلات الاجتماعية السلبية حول الآخر والاندماج. فهذه التمثلات السلبية تبرر الإقصاء والتهميش وتختزل صورة الآخر في بعض الأحكام السلبية حول أصله وإمكانياته وميولاته. لذلك لا يمكن لسياسة الاندماج أن تنجح في ظل إستمرار هيمنة هذه المعتقدات الخاطئة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على القرارات السياسية والقانونية. إن الحل الذي تقترحه الأغلبية المهيمنة (التذويب) لا يتوافق مع مبدأ احترام التعدد الثقافي. والهوية هي دينامية معقدة تتفاعل في تكوينها مجموعة من العوامل لاتستجيب لمعايير فرضت على الجماعات والأشخاص؛ وفي نفسي الوقت لا يمكن للانغلاق الثقافي أن يواكب التطورات الاجتماعية والثقافية ويخلق تعايشا إيجابيا بين الأفراد. أما مداخلة الدكتور مصطفى رياح من مراكش في موضوع الجالية المسلمة ورهان المشاركة السياسية في البلد المضيف، فأوضح أن المجال السياسي من أهم مجالات اندماج الجالية المسلمة في البلد المضيف، وهو مجال قمين بإسماع صوتها وطرح قضاياها، سعيا إلى إيجاد الحلول الناجعة لها وتحقيق الاندماج الفاعل والإيجابي؛ الصائن للخصوصية، الحامي للهوية الدينية والثقافية والاجتماعية، المذلل لسبيل الانفتاح على ما هو مشترك جمعي بين مكونات المجتمع المضيف، والإسهام البناء في النهوض بأوراشه الكبرى. إلا أن تدبير هذه المشاركة تتجاذبه مذاهب شتى تبلغ درجة التناقض؛ فمنها من يدعو إلى المشاركة السياسية مطلقا، ومنها من يدعو إلى عدمها، ومنها من اعتمد منهجا وسطا، فدعا إلى المشاركة السياسية كلما توفرت شروطها وتحققت ضوابطها. الفتاوى الشاذة لا تصلح وركز الدكتور ميمون باريش من جامعة القاضي عياض بمراكش على الفتاوى الشاذة التي يصدرها بعض المتفيقهين أو المحسوبين على الفقه والذين لا يملكون أدوات الاستنباط والاستدلال، وهذه الفتاوى لا تنبني على أسس سليمة ولا تعتبر بالمقاصد الشرعية ولا تولي اهتماما لمآلات الأقوال والأفعال، إنها فتاوى أخذ فيها أصحابها بالأشد والأضيق من الأقوال، واختزلوا الإسلام في العزائم، فهي تفضي إلى إحداث قطيعة لا حفظ بعدها بين المسلمين وغير المسلمين، وقد يستغلها خصوم الإسلام والمناوئون لمشروعه الحضاري للتضييق على الإسلام والمسلمين. ثم دعا إلى تجديد النظر في الفقه الإسلامي قديمه وحديثه في ضوء خصوصيات الجالية المسلمة في المهجر. وأوضح الدكتور مولاي مصطفى الهند من المحمدية أن الحضارة الغربية في عصر العولمة تسعى بكل قوتها وجبروتها إلى سربلة العالم بنموذج من القيم والثقافات التي من شأنها أن تقضي على خصوصيات الأمم والشعوب وتعيق سبل التعايش والاندماج بين الأمم والشعوب. وتعتبر فكرة وحدة منظومة الحضارة الغربية، وكذا القول بنسبية القيم في عالم الحضارات الإنسانية، إضافة إلى الاختلافات المعلومة بين الرسائل السماوية، وتنوع الثقافات، وتباين اللغات، وغياب حضاري واضح لمفهوم الاندماج، كل ذلك وغيره يشكل عقبة كأداء للتواصل والتعايش بين الجالية المسلمة والمجتمع الغربي الذي تقيم فيه. إن أمتنا الإسلامية تشهد في وقتنا الحالي إحياءً جديدا وميلادا حديثا ونشأة مستأنفة تستوجب مصاحبة فكرية راشدة تساعدها على تجاوز العوائق التي تمنعها من التواصل مع المجتمع الغربي تواصلا إيجابيا. وبناء على هذا فإننا الفكر الإسلامي مطالب اليوم بإنشاء خطاب ديني حضاري يساعد على كسر أقفال الكراهية والحقد والعنف والتمييز العنصري، ويعمل على تذويب معيقات التواصل والتعاون والتعايش بين الأمة والمجمعات البشرية بصفة عامة. وبين الدكتور عبد المجيد معلومي من مراكش في مداخلته بعنوان «الاندماج ومشاكله التربوية والدينية» أن المشكلات الأساسية التي يواجهها المسلمون العرب في الغرب ذات طبيعة ثقافية واجتماعية، وأن الخصاص الكبير في التربية الدينية والخلقية للأجيال الصاعدة من الأسباب الرئيسية التي تدفع بالشباب العربي المسلم إلى الانحراف، وهو ما ينمي هاجس الخوف عند الآباء من انسلاخ الأبناء من هويتهم الحضارية والانغماس في القيم المادية التي تؤمن بها المجتمعات الغربية زيادة على الضغط النفسي الذي يمارسه المحيط الثقافي على أولادهم وبناتهم، ثم عرج على العوامل الرئيسة التي تساهم في خلق أزمة روحية وتخلخل اللقيم الدينية لدى الشباب المسلم، وذكر منها: ضعف تأطير الديني، وصراع الأجيال، وقلة الاهتمام باللغة العربية. تجربة ألمانية أوضح الاستاذ أحمد أياو رئيس المجلس المركزي للمغاربة بألمانيا أن عدد سكان ألمانيا ينخفض بحوالي 20.000 سنويا، حيث أن 22 % يتجاوزون 60 سنة من عمرهم، و57 % ما بين 20 إلى 59 سنة، و21 % أقل من 20 سنة؛ فنسبة الشباب تقل ونسبة الشيوخ تكثر، وبنسبة قليلة من الشباب لا يمكن لمجتمع أن ينهض فكريا واجتماعيا واقتصاديا؛ فمشاكل شيخوخة الشعب وما ينتج عنها من نتائج سلبية تعرقل المستقبل الذي يخططونه المفكرون والسياسيون الألمان لبلادهم. وأبرز أن الدين الإسلامي في ألمانيا يعتبر الديانة الثانية بعد المسيحية، بحيث يبلغ عدد المسلمين فيها بمختلف شرائحهم وانتمائهم إلى حوالي 04 ملايين مسلم. وهذا التواجد يظهر خصوصا في تشييد دور الصلاة والمساجد، إذ يبلغ عددها إلى حوالي 2.600 مسجدا، ورغم هذا التواجد المهم للمسلمين في ألمانيا، فإن الوضعية القانونية للديانة الإسلامية لا تزال محل جدل في الأوساط السياسية والفكرية، فالقانون الألماني لا يزال متحفظا في الاعتراف بالإسلام كدين رسمي للأقلية المسلمة، كما أن هناك حوار سياسي حاد حول هذه القضية بين مختلف الأطراف في الساحة السياسية سواء بين الأحزاب الألمانية أو بين أوساط المسلمين عموما. وعدم الاعتراف هذا راجع إلى الإدارة السياسية من جهة، ومن جهة أخرى إلى عدم وحدة المسلمين حول قضية التمثيل الواحد أو المشترك لدى السلطات الألمانية؛ فصراع الجماعات والمجالس الإسلامية المختلفة فيما بينها مثل: الجماعات التركية السنية- الجماعات التركية الإيرانية الشيعية – الجمعيات الأحمدية – الجمعيات العربية (ومنها المغربية) جعلت الإدارة السياسية لدى المشروع الألماني في حالة انتظار. تجربة هولندية مداخلة الدكتور حميد الهاشمي: الجاليات المسلمة في هولندا بين خياري الاندماج والعزلة لم يتمكن الدكتور الهاشمي من لندن من الحضور لظروف قاهرة. وتتناولت ورقته سؤال الاندماج والعزلة للجاليات المسلمة في هولندا، حيث استهلها بلمحة وإحصائيات عن الهجرة الإسلامية إلى هولندا خاصة في التاريخ الحديث والمعاصر. وضمن تعريفا ببرامج الاندماج الاجتماعي في هولندا، وقراءة في واقع الجاليات العربية والإسلامية وخاصة الكبيرة منها مثل التركية والمغربية، ومساهمتها في الحياة العامة بمختلف جوانبها السياسية والثقافية والرياضية والاقتصادية. كما تضمنت ورقته مناقشة لأهم مطلبين من مطالب الاندماج الاجتماعي في توصيف لهما ولخصائصهما، وبالتالي انعكاسات كل منهما على طرفي المعادلة (مجتمع المهجر) و(الجاليات المهاجرة). وذكر أنه ولحدود تاريخ 01-01-2001 ، فإنه يعيش في هولندا ما مجموعه 2.870.224 أجنبي، وذلك من مجموع شعب تعداده 16 مليون شخص وبنسبة 18 % من مجموع السكان، وواحد من ستة من السكان الهولنديين هو من أصل أجنبي. وينقسم هؤلاء الأجانب إلى 1.480.196 من أصول غير غربية، و 1.387.028 من أصول غربية. وقد أعلن مكتب الإحصاء الوطني الهولندي(CBS) أن عدد المسلمين في هولندا، وصل مع بداية عام (2004)، إلى 945 ألف شخص، 70 في المائة منهم من الجاليات المغربية والتركية. وأضاف أن العدد قد تضاعف خلال السنوات العشر الأخيرة. وتشير أرقام مكتب الإحصاء إلى أن المسلمين يمثلون 5.8 % من إجمالي عدد سكان هولندا الذين يتعدون ال 16 مليون نسمة. وتوقع مكتب الإحصاء أن يتجاوز عدد المسلمين المليون مع مطلع عام 2006. اما في جانب المشاركة السياسية، فان الجاليات المسلمة في هولندا، قد سجلت رصيدا معقولا على صعيد الترشح لمناصب ونيل عضويات مميزة في بعض الاحزاب السياسية، وشغل مقاعد برلمانية. لكن المشاركة في التصويت تعبر سلبية الى حد ما، وهي ناتجة عن ثقافة وموقف من العمل السياسي والمشاركة فيه. والسبب بالتاكيد عائد للتجارب السلبية في بلدانها الإسلامية تجاه النشاط السياسي. أصدر البرلمان الهولندي في العام 1990 تشريعاً يسمح للأجانب الذين مضى على إقامتهم خمس سنوات بالمشاركة في انتخابات المجالس البلدية كمصوّتين أو مرشحين. ويمكن للحائزين على الجنسية الهولندية المشاركة في الانتخابات العامة. ولم تكن مشاركة المسلمين في البداية على نطاق واسع، بل كانت ضعيفة،ولكن الانتخابات التي حصلت في العام 1994 شهدت مشاركة أوسع من مختلف القطاعات، ما أدى إلى ارتفاع عدد المسلمين إلى 75 عضواً عام 1998في مجالس البلديات بعد أن كانوا حوالي 25 عضواً في المجالس البلدية. أما عدد النواب المسلمين في البرلمان الهولندي فقد ارتفع في انتخابات العام 1994 من أربعة نواب إلى سبعة العام 1998. أي أن نسبتهم في البرلمان 4و6 في المائة من مجموع 150 عضواً، وهذه النسبة تساوي نسبة المسلمين في هولندا. وهذا يعتبر أفضل أداء إسلامي سياسي في أوروبا الغربية وأميركا. من الانجازات التي حققتها الجاليات المسلمة في هولندا على صعيد المناصب السياسية، هي نيل احمد ابوطالب وهو من اصل مغربي منصب كاتب دولة للشؤون الاجتماعية، في حكومة يان بالكنندة عام 2007. كما يشغل نفس الشخص الان منصب عمدة مدينة روتردام، وهي ثاني اكبر المدن الهولندية، واهمها اقتصاديا. على نفس الصعيد، فقد شغلت نبهات البيرق (من اصل تركي) منصب كاتب دولة لشؤون العدل في الحكومة الهولندية السابقة. كذلك يوجد عدد من اعضاء البرلمان، والمجالس المحلية والهيئات الحزبية، وغيرها من ابناء الجاليات المسلمة في هولندا. اما على صعيد المشاركة في الانتخابات، ففي دراسة سابقة ظهر أن ما نسبته 24 % فقط من العراقيين المقيمين بهولندا قد شاركوا، مقابل 36 % أجابوا بلا، في حين تبين أن النسبة الأكبر المتبقية وهي 40 % غير مسموح لهم المشاركة في الانتخابات وقت الدراسة. وذلك وفقا للقوانين الهولندية التي لا تمنح للمقيم حق المشاركة في الانتخابات النيابية العامة حتى يمتلك الجنسية الهولندية.