لاشك أن الشرع متشوف للستر على العصاة في كل ما يتعلق بالأعراض وعدم تتبع عوراتهم أو إظهارها ممن اطلع على شيء منها، وقد تظافرت النصوص في ذلك، ومنها ما رواه أحمد وغيره عن يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه، قال: كان ماعز بن مالك في حجر أبي، فأصاب جارية فى الحي (زنى بها)، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت، لعله يستغفر لك. وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم علي كتاب الله؛ فأعرض عنه النبي، فعاد ثم أعرض عنه..حتى أتاه الرابعة، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأقم علي كتاب الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟ " قال: بفلانة. قال: فأمر به أن يرجم، قال: فأخرج به إلى الحرة، فلما وجد مس الحجارة، جزع، فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد أعجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير، فرماه به، فقتله، قال: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: " هلا تركتموه لعله يتوب، فيتوب الله عليه ". قال هشام: فحدثني يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين رآه: " والله يا هزال، لو كنت سترته بثوبك، كان خيرا مما صنعت به". قال ابن حجر في الفتح: قال الباجي : المعنى : خيرا لك مما أمرته به من إظهار أمره، وكان ستره بأن يأمره بالتوبة والكتمان كما أمره أبو بكر وعمر، وذكر الثوب مبالغة، أي لو لم تجد السبيل إلى ستره إلا بردائك ممن علم أمره كان أفضل مما أشرت به عليه من الإظهار. قال ابن حجر : وقال ابن العربي : هذا كله في غير المجاهر فأما إذا كان متظاهرا بالفاحشة مجاهرا فإني أحب مكاشفته والتبريح به لينزجر هو وغيره.. فهذه القصة المشهورة في إيقاع حد الزنا على الصحابي ماعز رضي الله عنه تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم (وهو رئيس الدولة) كان يفضل ستره على أن يقام عليه الحد.. لكن هل معنى هذا أن يسن المجلس التشريعي قوانين تمنع أجهزة الدولة من التدخل في العلاقات الرضائية عندما تكون في فضاء خاص؟! لاشك أن أحداثا كثيرة حصلت تجعل المصلحة في سن مثل هذه القوانين حفظا لأعراض الناس وعدم ابتزاز المعارضين السياسيين والنقابيين من خلال تتبع هفواتهم وسقطاتهم الأخلاقية، لكن ما يترتب عن كف يد الدولة عن التدخل في عدد من الحالات من المفاسد أكبر وأرجح من تلك المصلحة.. وقبل ذكر بعض هذه المفاسد الخطيرة نجيب على اعتراض يبدو مشروعا، وهو أن هذه الحريات الفردية مكفولة في الدول الغربية ولم تحدث فوضى ولا مفاسد خطيرة..! وكاتب هذه السطور درس في فرنسا لسنوات، والحقيقة ألا وجود لما سنذكره بعد قليل مما سيقع حتما عندنا من فوضى جنسية إذا شعر الناس بالأمن وهم في بيوتهم يمارسون الفاحشة.. والسبب أن الشعوب الغربية شعوب متعلمة متحضرة متشبعة بثقافة حقوق الإنسان قلما يجتمع الفقر والجهل فيها، وهما سبب الفوضى الجنسية المحتملة عندنا.. إن الفقر والجهل سيدفعان بالأحياء الهامشية لاستغلال الحصانة من أي تدخل أمني لجعل عدد من البيوت أوكارا للدعارة ، وسيتم استدراج التلميذات والطالبات لبيوت الدعارة الراقية ، ونحن نرى كيف يتم تفكيك شبكات للدعارة كل يوم مع وجود هذه القوانين الزجرية، فكيف لو تم إلغاؤها..؟! إنه من الصعب التفريق بين علاقة جنسية رضائية في فضاء خاص وبين استغلال فتيات فقيرات في الدعارة، خصوصا في الفنادق والفيلات المخصصة لذلك.. إن سن مثل هذه القوانين سيجعل بلدنا قبلة للباحثين عن المتعة الحرام وستتمرغ سمعة نسائنا أكثر مما هي عليه الآن بسبب أقلية تتاجر في الأعراض.. وبالطبع مع هذا الفساد العريض لا تسأل عما سينتج من أمهات عازبات ولقطاء ومخدرات وهدر مدرسي وأمراض جنسية منتقلة أضعاف أضعاف ما نحصيه اليوم مما ينوء بحمله كاهل الدولة وجمعيات المجتمع المدني.. الحريات الفردية لا تتحقق إلا في مجتمع متعلم متحضر يعرف توزيعا عادلا للثروة، عندها كل واحد مسئول أمام الخالق سبحانه أن يعصاه أو يطيعه في السر، فلا دخل ولا شأن لأحد من الناس به.. وإنما ينصحه وينهاه في السر، ويبقى للعلماء وخطباء المساجد دور التوعية بأحكام الله فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في حدود اختصاصهم..