مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب ، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها ، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم . عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " . رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن ، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله ، يقول : إنه سافر إلى البلد الفلاني ، وإلى البلد الفلاني ، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء ، وما أشبه ذلك ، يفتخر بهذا.
هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله ، ومن استحل الزنى فهو كافر . " شرح رياض الصالحين " .
ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها ، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر ، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها .
قال ابن القيم :
وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها ، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن ، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به ، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... " . " إغاثة اللهفان " .
الخدن والخدنة : العشيق والعشيقة .
والأصل : أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها ، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها .