نظمت جمعية النور للتنمية البشرية وجمعية بصمة الشباب يومه السبت 30 نونبر 2019 ندوة علمية حول موضوع "مجتمع المعرفة". من تأطير الدكتور فوزي بوخريص أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، والأستاذ حميد الرباع أستاذ الفلسفة بسلا. انطلقت الندوة بكلمة للأستاذة حليمة الشويكة أستاذة الفلسفة ومسيرة الندوة، أشارت فيها إلى أن مفهوم "مجتمع المعرفة" غير شائع في التداول اليومي، كما أن البحوث العلمية حوله في مجتمعاتنا تتسم بالندرة الشديدة. كما أشارت المتحدثة إلى أن التساؤل عن دلالة مجتمع المعرفة يتجاوز المعنى المباشر للفظين المركبين للمفهوم، لأنه تعبير عن تحولات شهدتها المجتمعات الغربية على وجه الخصوص منتصف القرن الماضي. وتلتقي أغلب تعريفاته-التي لا تزال في طور التشبع المعرفي- حول كونه مجتمعا يقوم على إنتاج المعرفة ونشرها وحسن توظيفها من أجل تحقيق التنمية الشاملة. وبناء على هذا التعريف تساءلت المسيرة عن أبعاد مجتمع المعرفة وأسس بنائه، وعن تحدياته في مجتمعاتنا العربية. في مداخلته المعنونة ب"مجتمع المعرفة: إشكالية المفهوم ورهاناته"، انطلق الدكتور فوزي بوخريص من الوقوف عند المقاربة السوسيولوجية لمفهوم مجتمع المعرفة- الذي غالبا ما هيمنت على دراسته المقاربة الاقتصادية- وقد توقف المتحدث في البداية عند إشكالية التسمية، حيث سمي بالمجتمع الصناعي، والمجتمع الحضري، ومجتمع الوفرة، ومجتمع المعلومات والمجتمع المعلوماتي.. وقد نبه الدكتور بوخريص إلى اختلاف دلالة مجتمع المعلومات عن المجتمع المعلوماتي، فمجتمع المعلومات ليس وليد التحولات المعاصرة بل كان منذ العصر الوسيط حيث كانت المعلومات تلعب دورا في المجتمع. بينما المجتمع المعلوماتي الذي نتج عن الثورة الرقمية، أصبح يعبر عن شكل من التنظيم الاجتماعي الذي صارت فيه المورفولوجة الاجتماعية قائمة على الشبكة. كما وضح المتدخل أن الوفرة التي يتميز بها مجتمع المعرفة، حولته إلى "مجتمع الجهل" لأن الخيارات المعرفية المتعددة التي تتسارع بشكل كبير تجعل الأفراد في وضعية هشاشة، ويصبح الفعل السياسي الأساسي هو تنظيم حالة اللايقين التي تسببها الإمكانات الهائلة التي يفتحها مجتمع المعرفة. وقد أشار في معرض حديثه إلى أن هذا الإشكال المتمثل في الوفرة وصعوبة الاختيار هو الذي يمكن أن نفهم به إشكالية النقاش المفتوح اليوم حول النموذج التنموي الجديد. فوفرة الخيارات تجعل اختيار الأنسب والأصلح مسألة إشكالية. وقد ختم الدكتور بوخريص مداخلته بالتأكيد على أن مجتمع المعرفة يطرح الإشكال الديمقراطي والإشكال التربوي. فالمعرفة هي أكبر من إدراك للواقع وفهم له، بل هي أيضا عيش مشترك وتعايش ديمقراطي. لأن المجتمع الديمقراطي لا يقوم على المشروعة وحدها، بل يقوم أيضا على المعرفة، لأن المشاكل و الصعوبات السياسية تعود في جزء كبير منها إلى نقص المعرفة. وفي علاقة مجتمع المعرفة بالإشكال التربويي، أكد الدكتور فوزي بوخريص على ضرورة تحصين المتعلمين بثقافة معلوماتية متينة واستدراك الهوة الرقمية. وفي مداخلته المعنونة ب"تحديات مجتمع المعرفة في مجتمعنا المغربي" أكد الأستاذ حميد الرباع أن مجتمع المعرفة هو المجتمع الذي أصبحت فيه المعرفة المصدر الأساسي للقوة. فالمجتمعات التي استطاعت كسب رهان التنمية الشاملة هي التي استطاعت الانخراط في مجتمع المعرفة بالرغم من قلة مواردها المادية. وفي معرض تشخيصه لواقعنا المغربي توقف الأستاذ الرباع عند تقرير حالة المعرفة في الوطن العربي الصادر سنة 2009 و الذي قدم مجموعة من المؤشرات الرقمية التي تبين الفجوة المعرفية الكبيرة التي نعيشها كبلدان عربية. واعتبر المتحدث أن مسؤولية بناء مجتمع المعرفة هي مسؤولية متقاسمة بين جميع المكونات الاجتماعية، الإعلام و المدرسة والأسرة والدولة بشكل أساسي. اختتمت الندوة بنقاش تفاعلي بين الحضور والأساتذة المتدخلين حول ضرورة بناء مجتمع المعرفة الذي يحتاج إلى وقت وقدرة على النقد والإبداع، فالرهان على الكفاية الإبداعية هو ما يسمح بنقل المعلومة من مجرد معطى يتم تداوله، إلى معرفة بما هي فعل عقلي ويدوي ناتج عن القدرة على معالجة المعلومات بالنقد والفهم والتحليل.