هذه نص المحاضرة القيمة التي ألقاها الإمام محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني، بدائرة المعارف الإسلامية بحيدر أباد بالهند، أواخر ذي الحجة سنة 1353ه/ 1935م، بحضور الوزير المقدم نواب مهدي يار جنك، والعديد من علماء البلد وأعيانها، وجم غفير من مراسلي الجرائد على اختلافها، ومن الغد نشروا ذلك الاجتماع وما وقع فيه من المحاضرات والخطب، مع اسمه وترجمته بلغات ولهجات هندية وعالمية مختلفة… وهذه المحاضرة تعتبر نموذجا من الجهود الدعوية الكبرى التي كان يقوم بها الإمام محمد الزمزمي الكتاني، رحمه الله تعالى، في المغرب وخارجه. والإمام الكتاني ولد بمدينة فاس عام 1305ه، وتوفي بدمشق عام 1371، زار في خلالها الهند مرتين، واستوطن المدينةالمنورةودمشق مدة طويلة، إلى أن استقر أخيرا بمدينة فاس، وقد درست عليه واستفادت نخبة من قادة الحركة الوطنية، الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي في المغرب… وتوفي في دمشق في رحلته للحج في التاريخ المذكور.. وهذا نص المحاضرة: بسم الله الرحمن الرحيم الله أحمد، وبرسالة نبيه ورسوله سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، أعترف وأشهد. أما بعد؛ فيا أمة المسلمين، ويا خير أمة أخرجت للعالمين، قال الله تعالى في كتابه العزيز، خطابا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}. [النساء: 65]، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. [الحشر: 7]، وقال: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}. [الأحزاب: 6]، وقريء في الشواذ: "وهو أب لهم". أفادت الآية الشريفة الأولى: أن مولانا العظيم، جل شأنه، أقسم بذاته العلية، وصفاته السنية، أن المؤمنين لا يتم إيمانهم، ولا يكمل إسلامهم ويقينهم، حتى يذعنوا لأحكام شريعته المطهرة أتم الإذعان، فيستسلموا لأوامره وأحكامه تمام الاستسلام، ظاهرا وباطنا، منشطا ومكرها، في الرضى والغضب، وفي جميع الأحوال الشخصية وغيرها، في الأمور الدنيوية والأخروية. بحيث إذا حكمت الشريعة المحمدية على شخص بشيء له أو عليه؛ فإنه ينفذه بتمام السرور والإحسان، وكمال المطاوعة والإذعان، مع اعتقاد أن العدل والحق والصواب محصور فيما جاء به عليه السلام من الشريعة والأوامر والنواهي، فإذا اتصف الإنسان بهذه الحالة؛ فإنه عند ذلك يسمى مسلما كامل الإسلام والإيمان، وإلا؛ فلا!. والآية الثانية: أفادت وجوب الأخذ بأوامره عليه الصلاة والسلام مطلقا، والكف عن نواهيه كذلك في جميع الحركات والسكنات، ما وافق من ذلك الطبع والهوى، وما لا. والآية الثالثة: أفادت أن سيدنا محمدا رسول الله؛ هو أولى من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا، بل هو الأب الحقيقي، وأزواجه أمهاتنا الحقيقيات، وهو جنسنا ووطننا وعصبيتنا، ودينه ولسانه وكتابه، وجميع ما أتى به من عند الله هو دستورنا وقانوننا، ومعوَّلنا ومحل نظرنا، وننبذ جميع ما يخالف ذلك من الدساتير والقوانين، والجنسيات والعصبيات، كائنا من كان، سواء ما يخالف هوانا أو ما يوافقه، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}. [النساء: 82]. وإذا علمت ذلك أيها المسلم الغيور، وليس كلامنا إلا مع أهل الإخلاص والصدق والإيمان أمثالك، لا مع من يدعي الإسلام لسانا فقط؛ فلتعلم أن تعلم لغة القرآن والسنة النبوية فرض عين واجب على كل مسلم، مع الإمكان والقدرة من كل جنس كان، وبأي إقليم وجد؛ سواء في ذلك العربي والتركي، والفارسي والبربري، والرومي والقبطي…وجميع من تشمله بعثة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. إن أجناس الخلق وإن تباينت، وأشكال البرية وإن تباعدت وتفاوتت، مشربا وجنسا وإقليما، فالكل في نظر الله ونظر الشريعة الإسلامية سواء، قال الله تعالى مخاطبا الكل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل…}. [الحجرات: 13]، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى والإيمان. وهكذا يجب على الأب الحنون الرحيم أن ينظر إلى أولاده بنظر العدل والسوية، ولا يفضل بينهم إلا بجميل أخلاقهم، ومزيد تقواهم. وهكذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لما كان نبي الكل ورسول آخر الزمان، كما في الخبر عنه أنه: اُرسل إلى الأحمر والأسود والأبيض، وشاهده قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}. [سبأ: 28]، {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}. [الفرقان: 1]، ومعلوم في العربية أن "العالمين" هو كل ما سوى الله سبحانه. ولما كان عليه السلام عربيا هاشميا قرشيا، ولسانه الشريف كذلك، وكان عليه السلام أفضل العالمين، وصفوة الله من خلقه أجمعين؛ لزم أن تكون لغته الشريفة كذلك هي أفضل لغات العالم، بل هي – كما سيأتي – لغة أهل الجنة، ولولا ذلك لما اختارها الله لعبده وخليفته في الأرض سيدنا محمد، وارتضاها لغة له ولقومه العرب الذين يربو عددهم اليوم على ما يقال مائة مليون نفس تقريبا، كلهم يتخاطبون بها على اختلاف لهجتهم، وتفاوت أقطارهم. ومن شرفها: أن الله أنزل بها القرآن الذي نسخ جميع الكتب السماوية المنزلة قبل، وأقامه في الأرض دستورا وحكما عدلا، من تمسك به؛ نجا وعدل، ومن حاد عنه؛ هلك وضل. وما سبب سقوط الأمة الإسلامية من ذلك المجد الشامخ والشرف الباذخ إلى هذا الحضيض الأسفل إلا بإعراضها عن العمل بهذا الكتاب المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. إذا؛ فالقرآن والسنة النبوية هما أصل الإسلام، ومادته وعنصره، ولبابه وفائدته، بإجماع الطوائف الإسلامية، والمذاهب المحمدية. أما القرآن؛ فلأنه نزل من عند الله بلسان عربي مبين. وأما السنة المحمدية؛ فلأنها هي المبينة للقرآن، والمفسرة لمعاني ما أجمل منه. قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم}. [النحل: 44]، ولما كان لا يمكن فهمهما ولا معرفة شيء منهما إلا بتعلم لغتهما العربية، كانت معرفتها أمرا واجبا في الدين، وحتما مقضيا على كافة المسلمين، من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فإن فعلوا؛ فقد امتثلوا أمر الله، وفازوا بسعادة الدنيا والأخرى، وإلا؛ فهم مسؤولون عن ذلك أمام الله تعالى. ولا شك أن مجدهم في الدنيا، وقدرهم عند العالمين، يسقط بقدر تساقطهم في لغتهم الدينية، ولهجتهم الإسلامية، والمشاهدة أقوى دليل!. والعجب أننا نرى اليهود – الذين هم أرذل الأمم وأسقطها – رغما عن كونهم مشتتين في العالم، ومن أجناس مختلفة، ولغات غير مؤتلفة، نبذوا بأطراف المعمور، وقد مضى على تاريخهم آلاف السنين، ومع ذلك نراهم يتقنون لغتهم الدينية العبرية إتقانا كليا، لا يشابههم فيه غيرهم. فلما طمعوا بالوطن القومي، والدولة الموهومة، وأتى بهم سماسرة الاستعمار لفلسطين، وانهالوا عليه انهيال الجياع على قصع الطعام، من كل صوب وحدب؛ نراهم على اختلاف ألسنتهم، وتباين دولهم وأقاليمهم، يتفاهمون بلغة دينهم العبرية، حتى صاروا بسببها كأنهم أبناء عائلة واحدة، وأسرة طينية متحدة!. والمسلمون –ويا للأسف – قد فرطوا في كل شيء، وضيعوا كل مزية، وأعرضوا عن كل خير، حتى لغتهم الدينية القرآنية نسوها وفرطوا فيها، حتى بلغ بهم إذا اجتمعت الجماعة منهم من أقطار مختلفة، كالإفريقي، والتركي، والهندي، والفارسي، لا يمكنهم التفاهم أصلا، إلا بواسطة لغة أجنبية رومية، لا تربطهم بها رابطة، اللهم إلا الطمع والتزلف والخوف. وقد صرح بما قلناه، وجزم بما أبديناه علماء المذاهب الأربعة، بل ما أظن أن مسلما يمكنه أن يختلف فيه، أو يعرج على غير هذا ويقتضيه، وذلك من وجوب تعلم اللغة العربية وجوبا إجباريا بحتا، كما أن أهل المذاهب نصوا – أيضا – على أن من لا مأمن على نفسه من اللحن، وذلك لجهله بقواعد اللغة العربية؛ أنه لا يجوز له تلاوة القرآن، ولا قراءة الحديث النبوي، إلا بعد تعلمه ما يمنع به نفسه من اللحن والتخليط فيهما، وذلك بتعلم اللغة العربية. كما أنهم نصوا على أن صلاة اللحان – أي: في الفاتحة – إذا كان لحنا جليا؛ لا تصح، على تفصيل في ذلك عند المذاهب. وأيضا؛ في الحديث الشريف عنه عليه السلام أن دعاء اللحان غير مقبول عند الله، بل هو مردود، وورد عنه عليه السلام الأمر بتعلم اللغة العربية في غيرما قصة وحديث، والحث على إصلاح اللسان فيها، وكذلك ورد في غيرما واحد من الصحابة والتابعين، وصدور الأمة أجمعين، مما هو غير خاف على من له أدنى مسكة من الاطلاع على كتب الدين، وأقوال سلف الأمة أجمعين. وليت شعري؛ كيف يمكن لمن لا يعرف العربية أن يفهم شيئا من إعجازات القرآن وفصاحته المطربة، وبلاغاته ومجازاته المعجبة، وما فيه من العلوم والمعارف والأسرار، وشتى الفنون…إلى غير ذلك؟؟. فكيف يمكنكم – أيها المسلمون – بعد معرفة ما سبق، أن تتساهلوا في تعليم اللغة العربية، ولا تجعلونها – بعد العقائد الإيمانية والفروض الدينية – أهم شيء لديكم، وآكد أمر متحتم بينكم، لتبقى وحدتكم ورابطتكم محكمة الاتصال، ودينكم وقوامكم في أمن من الزوال؟. وكيف تفرطون – معاشر المسلمين – في هذا الفرض الحيوي الديني، وتتساهلون فيه، مع توفر العلماء، ووجود الأمراء والفضلاء؟. فبادروا – يا أمة محمد عليه السلام – لتدارك هذا الأمر قبل الفوات، فإنه إن يكن لشيوخكم وذوي الأسنان فيكم بعض العذر لصعوبة التعلم بعد الكبر؛ فإنه لا عذر لكم عند الله في تواطيكم على إهمال لغتكم القرآنية لدى الأطفال والشباب، مع انهماككم على تعلم لغات الأجانب ممن لا ارتباط لكم به سوى الطمع والحرص على الدنيا، وما يرجع إليها عنكم إلا ضعف الدين، وانحطاط العز واليقين، مما أدى إلى ضعفكم، وزوال دولتكم، واستيلاء الأغيار عليكم، بل اندماجكم أخيرا في جنسية غير جنسيتكم، وملة غير ملتكم…إلى غير ذلك. ومما يؤسف له، ويدل دلالة صريحة على انحطاط عقول بعض المسلمين، وزوال الغيرة منهم والإيمان من قلوبهم: أنه يوجد منهم كثيرا – حتى في بعض الأقطار العربية، فضلا عن غيرها – من يؤثر تعلم بعض لغات الأجانب من الفرنجة حتى على لغته ولغة قومه وأسلافه، فترى الواحد منهم يتقن عدة مما يسمونه "اللغات الحية"، مع جهله بلغته جهلا تاما، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}. [الحج: 46]. ولئن سلمنا أن في تعلم تلك "اللغات الحية" بعض فوائد مادية وتجارية، أو فنية، فلا نسلم بحال من الأحوال ترك اللغة العربية للمسلمين، وهجرانهم بالكلية لها، إذ بها يًحفظ دينهم، ويعلو بين الأقران قدرهم، وبالمحافظة عليها تحفظ سعادتهم الأبدية إن شاء الله. فلينتبه لهذا المسلمون، وبالأخص من نحن الآن بين ظهرانيهم، إخواننا الهنود، ومن كان على شاكلتهم، وبالأخص الملوك والسلاطين والأمراء، والجمعيات التعاونية الإسلامية، ولا سيما فخر الإسلام، ونائب النبي عليه السلام، في هذا القطر، السلطان مير عثمان خان، خلد الله ملكه إلى آخر الزمان، فإن له في محبة العرب، ومؤازرة الدين واللغة العربية، ما يكتب له بأقلام ذهبية على صفحات قلوب العالم الإسلامي، رفع الله قدره، ونشر على العالم الهندي لواءه وفخره…آمين. والله والمسؤول أن يلهم المسلمين رشدهم، ويوفقهم لما فيه مجدهم وصلاحيتهم بمنه. روى الحاكم في "المستدرك"، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم أن يتكلم بالعربية؛ فلا يتكلمن بالفارسية؛ فإنه يورث النفاق!". قلت: ولا مفهوم للفارسية، ولكن الكلام خرج إذذاك مخرج الغالب. والمقصود: كل ما خالف العربية؛ لأن المقصود – كما تقدم – اقتصار المسلمين على لغة القرآن ما وجدوا لذلك سبيلا. والله أعلم. وكما يحب امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته في كل منشط ومكره، وبذل النفوس والمهج والأموال والأولاد دونه صلى الله عليه وسلم؛ بل دون محبته وشريعته، وقرآنه ودينه، وذلك قليل في حقه؛ لما له علينا من الحقوق؛ كذلك تجب محبة لغته وقومه وعشيرته، وهم قريش وعامة العرب، وكذلك يجب محبة آل البيت وأقاربه، وكل من له انتساب لعلي جنابه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله، والناس أجمعين". أخرجه أحمد والبخاري ومسلم. وروى أبو يعلى في مسنده، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذلت العرب؛ ذل الإسلام". وروى الطبراني في "الكبير"، والحاكم في "المستدرك"، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي". وروى الحاكم في "المستدرك" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق". وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حب قريش إيمان، وبغضهم كفر، من أحب العرب؛ فقد أحبني، ومن أبغض العرب؛ فقد أبغضني". وفي مسند أبي يعلى عن سلمة بن الأكوع: "النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي". ومن الأمراض التي فشت في المسلمين حتى فتكت فيهم الفتك المبين: إعراضهم عما كان عليه آباؤهم وأسلافهم من الاهتداء بالتعاليم المحمدية، والتخلق بالأخلاق النبوية الإسلامية، وبغضهم لها، وإعراضهم تمام الإعراض عنها، وتمسكهم بقوانين كسرى وقيصر، وتشبههم بهم حتى في أحوالهم الشخصية، وعاداتهم الذاتية القومية، في اللباس والطعام، والشراب والهيئة والكلام، بل حتى في الحركات والسكنات، والجلوس والقيام، وابتدالهم لذلك بالأخلاق الرومية، والثقافة الأوروبية النصرانية؛ لاعتقادهم حقارة أنفسهم، واستعظامهم لأمم أخرى غيرهم، جريا منهم على الطبيعة المقررة، والسيرة المكررة، من أن الضعيف دائما يقلد القوي تقليدا أعمى. مع أننا – يا معشر المسلمين – أغنياء بديننا، أغنياء بقرآننا، وأخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما خصه الله به من الكمالات النفيسة، والمزايا العلية، والأخلاق العظيمة، والنعوت الجسيمة الفخيمة، وكفى شاهدا على ذلك قول الرب العظيم: {وإنك لعلى خلق عظيم}. [القلم: 4]، وقوله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي". ولَعَمْرُ الحق؛ أين أخلاق العرب والمسلمين من أخلاق غيرهم من الفرنجة والملحدين؟. وأين الثرى من الثريا؟. ولكن: يُغمى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن أين كف الأذى واحتماله؟، والجود والكرم والإيثار، والصبر والشجاعة، وإكرام الضيف، وسلامة الباطن، والحمية والغيرة، وأيامة الضيم، والحلم والتواضع، والعفة والبشر، والتحبب إلى الناس، وحسن الصنيعة لهم…إلى غير ذلك من أخلاق الكمال، مما لو بقي المسلمون متمسكين به كما كانت أسلافهم، لما غلبهم غالب، ولا توصل إليهم طالب. فأين هذا من أخلاق الأوروبيين، وثقافة الماديين: مداهنة، وختل، ونفاق، وتخنث، ولؤم، وإفراط بخل، وقساوة، وغلظة، وعدم غيرة، وإباحة وخلاعة، وإيثار للنفس، ورياء وسمعة، ومباهاة، والتظاهر بخلاف ما في الباطن، وغدر وخديعة وهوى، واحتقار للمخلوقات…إلى غير ذلك من أمور، ربما كان في بعض ظاهرها عمار مستلفت للنفوس والأبصار، وباطنها خراب شبيه بالسراب، {يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا}. [النور: 39]. على وجه ميا مسحة من ملاحة وتحت الثياب العار لو كان باديا فيا أمة الرسول الأعظم، والمنقذ الهمام الأفخم، إن الذي تطلبونه من السعادة والإصلاح والرقي في الشريعة المحمدية وأهلها، لا تجدونه عند غيرها، فلا يستفزنكم الشيطان، إنه لكم عدو مبين، ولا تكونوا كالذين قالوا: سمعنا. وهم لا يسمعون. فلتتمسكوا بيد من حديد على دينكم وقرآنكم وعربيتكم، وأخلاق نبيكم وصفاته، عسى الله أن يرفع عنا جميعا بسبب ذلك ما ابتلانا به من تسليط الأعداء، وإفسادهم واستعبادهم وعتوهم، ويمدنا بالنصر والتأييد والمعونة، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أبغض المسلمون علماءهم، وأظهروا عمارة أسواقهم، وتألبوا على جمع الدراهم والدنانير؛ ابتلاهم الله بأربع خصال: بالقحط من الزمان، والجور من السلطان، والخيانة من ولاة الأحكام، والصولة من العدو". وفي "الترغيب والترهيب": روى الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد عن ابن شريح الغفاري قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟. قالوا: بلى. قال: إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا". وفقنا الله وإياكم لاتباع سنن المهتدين، وأجارنا والمسلمين من سلوك طريق الضالين الملحدين…آمين. قاله وكتبه: عبد ربه تعالى: محمد الزمزمي ابن الشيخ محمد بن جعفر الحسني الإدريسي، الشهير بالكتاني، المغربي، نزيل المدينةالمنورة، ثم الشام، وضيف حكومة حيدر أباد في وقته، في أواخر الحجة عام 1353ه.