هوية بريس – الأربعاء 11 مارس 2015 1- المرجعية أولا: بما أن هذا نقاش مجتمعي فالواجب تحديد مرجعية المجتمع، وإلا فإلى أي شيء نحيل اختلافاتنا؟ وما أرضية الحوار التي نستند إليها؟ وبما أننا مسلمون، وأن شعوبنا برهنت مرارا على تعلقها بالإسلام، فإن مرجعيتنا هي الإسلام. والإسلام يقتضي التسليم لحكم الله: كما قال تعالى: (إن الحكم إلا لله)، وكما قال سبحانه: (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). وكل نقاش حول تحرير المرأة لا يستند إلى هذه المرجعية فهو لغو، محكوم عليه بالاندثار! 2- معاناة المرأة: هل تعاني المرأة في مجتمعنا؟ نقرر أولا أن شعوبنا كلها تعاني -رجالا ونساء- من الظلم الاجتماعي والسياسي، والفساد، والفقر والتهميش. ولكن "تأنيث المجتمع الغربي" كما يعبر عنه بعض المفكرين عندنا وعندهم، وتصاعد ظاهرة "الفيمينزم" (التي يعربها المسيري بالتمركز حول الأنثى) التي وصلت درجة "اللوبي المتحكم"، يحصر القضية في شقها الأنثوي فقط! ولا شك المرأة تعاني فعلا من موروثات باطلة، وتقاليد مذمومة، مخالفة للعدل الذي تدعو له الشريعة. ولكن: علماء الشرع هم أكثر الناس إنكارا لهذه المخالفات. وواقع الحال أن أهل التدين أكثر احتراما وتقديرا للمرأة وحفظا لمكانتها، من سدنة العلمانية والمبشرين بالتحرر والليبرالية. 3- التحرر من الثقافة المهيمنة: نريد أن نحرر المرأة لأننا ارتأينا تحريرها، لا أن نحرر المرأة لأن الغرب ارتأى تحريرها. بعبارة أخرى: الفكرة حين تنبع من داخل المجتمع الملتزم بمرجعيته، في غياب أي تأثير للسلطة المهيمنة من خارجه، فإنها لا يمكن إلا أن تكون نافعة، ولكنها إن كانت مفروضة من الخارج (منظمات حقوقية دولية، دول متسلطة تشترط سن قوانين معينة لتقديم المساعدات الاقتصادية، قصف إعلامي وثقافي، إلخ) يجعل النقاش غير متكافئ، وبالتالي غير مثمر. 4- المساواة أم العدالة؟ هل حال المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة هو الحل؟ * المساواة لا تعني العدل. بل العدل قد لا يتحقق إلا بالمفاضلة! * الإسلام راعى الفروق الجوهرية بين الرجل والمرأة: في الأحوال النفسية والبدنية. * الثقافة المهيمنة في الغرب لم تراع هذه الفروق، فسعت نحو المساواة المطلقة ولو عن طريق الظلم: فأي عدل في وقوف شرطية المرور ساعات طويلة في الشارع بعيدة عن بيتها وأولادها؟ وأي عدل في توظيف النساء في الأعمال التي تستغرق اليوم كله على حساب حقوق الأطفال الذين تتكفل الحضانات برعايتهم (ثم يتلون على مسامعنا محاسن الرضاعة الطبيعية بعد ذلك!)؟ وأي عدل في أن تعمل المرأة خارج البيت وداخله كما هو الحال في مجتمعنا اليوم؟ 5- مكانة المرأة بين الغرب والإسلام من الأخطاء الشائعة عند بعض الدعاة: أن ينشغلوا بالرد على الشبهات التي يثيرها العلمانيون حول مكانة المرأة في الإسلام، عن بيان حال المرأة في المجتمع الغربي الذي يراد لنا الاقتداء به. والحق أن الإسلام ليس في قفص الاتهام، لننشغل بالدفاع عنه! بل هو في موقع الهجوم، لتعرية الجاهليات كلها، قديمة كانت أو حديثة. في الغرب، وتحت أعين منظري الحداثة والعلمانية والليبرالية، وأعين الحركات النسوية: توجد النظرة الدونية للمرأة حقا .. في الغرب: الدعارة المقننة، لتلبية حاجات الرجل! والأفلام الإباحية الموجهة للرجل بالدرجة الأولى! ونوادي التعري، للاستجابة لرغبات الرجل! والتحرش الجنسي بالنساء في الإدارات والشركات! واستغلال الفقر والهشاشة الاجتماعية للاتجار بالنساء! وتحمل المرأة جزءا كبيرا من الأعباء المادية والمعنوية للأسرة! وأما في الإسلام، فهذا كله مرفوض، باجتثاث جذوره من أصلها. 6- هل الدعوة إلى الحجاب ثقافة إكراه؟ نقرر أولا أن الحجاب واجب شرعي بالكتاب والسنة والإجماع القطعي. ولأن مرجعيتنا هي الإسلام، فالواجب إذن ألا يقع النقاش حول الحجاب. بل على الدولة أن تشجع النساء على ارتدائه، كما تشجع على إنشاء المساجد وأداء الصلوات فيها، دون فرق. والنقاش المجتمعي الذي ينبغي أن يكون، هو: كيف ندعو النساء إلى الحجاب، لا كيف نتعامل مع من يدعو إلى الحجاب! نعم، لو كنا في دولة غربية أغلبُ سكانها غير مسلمين، فإن من الممكن حينئذ أن يكون النقاش حول كون ارتداء الحجاب حرية فردية لا تتعارض مع العلمانية الحاكمة. أما عندنا، وبما أننا مسلمون أولا، قبل أن نكون مواطنين، فالنقاش هو: كيف نشجع نساءنا ونحثهن على الحجاب. لأن الحجاب عندنا هو الأصل، وليس الفرع الذي يراد إيجاد مخرج له. ومن آثار الخضوع المفاهيمي للثقافة المهيمنة: أن بعض الحقوقيين عندنا يقولون: "الدين قضية شخصية. فلا ينبغي أن ندعو الناس إلى تغيير قناعاتهم. من شاءت الالتزام بالحجاب فلتفعل، ومن لم تشأ فذلك شأنها!". والحق أن الدين عندنا ليست مسألة شخصية خالصة، والدعوة وإنكار المنكر من صميم الدين. والدعوة ليست إكراها. وهي لا تعدو أن تكون بيانا للحق، لمن لا يعرفه. بل لو قنّنا وجوب الحجاب، فأجبرت الدولةُ النساء بقوة القانون على ارتداء الحجاب. فأين الإشكال -حتى بمقتضى مرجعيتهم-؟ هل يجوز في فرنسا مثلا أن تخرج المرأة إلى الشارع عارية تماما؟ هل يمكن للمرأة أن تأتي لعملها في إدارة أو شركة عارية الصدر مثلا؟ الجواب: لا، بقوة القانون. ولا قائل: هذه حريتها الفردية، ولا يحق لنا منعها من حرياتها الشخصية! والسؤال: يظهر من المثال أن هذه الحرية ليست مطلقة، فما حدودها؟ والجواب: يحددها عندهم القانون، بناء على الآراء المتقلبة للسياسيين. وحينئذ فما الذي يمنع أن تكون الحرية عندنا محدودة بالشريعة الإسلامية، التي هي "قانون" المسلمين، كما قررنا في سؤال المرجعية؟ 7- الحرية الجنسية يعد كثير من الحقوقيين والجمعيات النسوية التحرر الجنسي من حقوق المرأة والمجتمع المهضومة. والحق أنني ما اطلعت على طريقة الإسلام في التعامل مع "المشكلة الجنسية"، وقارنتها بالطرق الأخرى قديما وحديثا، إلا جزمت بأن الطريقة الإسلامية هي -بيقين- أفضل ما يمكن أن يكون في المجتمعات البشرية. وكيف لا يكون كذلك، والشرع منزل من الحكيم الخبير؟! فالإسلام أطلق وقيّد: عدّ الجنس شهوة غريزية طبيعية ليست قذرة، بل في إتيانها بالحلال الأجر والثواب. جعلها شهوة من الشهوات، لا تصل إلى الحالة التي تفسر كل أحوال النفس البشرية بها -كما عند الفرويديين-، ولا تنزل إلى أن تكون تافهة لا قيمة لها على طريقة أهل الرهبنة. قيدها بإطار الزواج الشرعي، الذي للزوجين معا فيه حق الاستمتاع المباح. وأعطى لكليهما حقه المشروع في هذه المتعة. جعل الشهوة خادمة للنفس المتعالية على المادة، المتجاوزة لقيودها الأرضية. فجعل الزوجين حبيبين، أو قُل بالمصطلح القرآني الأفضل والأكمل، جعل بينهما: مودة ورحمة. والزوجان يشتركان في هدف سام: هو التوحيد والعبادة وعمارة الأرض وتنشئة الأجيال المسلمة. وبالمقابل: ما الذي يريده منا أتباع الثقافة المهيمنة؟ يريدون ممارسة الجنس عند الرغبة في ذلك، دون أية تبعات أو مسؤوليات (وهذا بالطبع ليس في مصلحة المرأة). ويريدون تحطيم مؤسسة الأسرة، وتفسخ المجتمع. لأن الجنس لا يمكن تحقيق الارتواء فيه بالانطلاق التام – فإنه مثل مدمن المخدرات الذي ما زاد من الكمية المستهلكة إلا زاد احتياجه إليها حتى يكون هلاكه – فإن التحرر الجنسي يؤدي إلى فتح الباب أمام كل أنواع الممارسات البهيمية: الشذوذ / البيدوفيليا ..، كل ذلك بحثا عن الارتواء الذي لا يأتي. وهذا هو المشاهد اليوم في الغرب. 8- أحكام الإرث يقول قائلهم: "يجب تغيير التشريعات التي تفرق بين الذكر والأنثى في أحكام الإرث، لأن المجتمع تطور، وصارت المرأة تشارك في العمل والإنفاق داخل البيت". والجواب من أوجه: أولها: هل أحكام الإرث تعد من الأولويات بالنسبة لحقوق المرأة بالمغرب؟ لا أظن ذلك. والظاهر أن القضية سياسية لا غير. والثاني: أحكام الإرث قطعية، لا يمكن تغييرها. فقد ثبتت بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}. والثالث: إن الإسلام ينبغي أن يؤخذ كاملا، ولا يقع تحت مشرط التجزيء، بأخذ بعض أحكامه وترك بعضها الآخر. وحين يؤخذ بعضه فقط، فإن إشكالات كثيرة تظهر في الدولة والمجتمع. وحينئذ يطلب من علماء الشريعة أن يحلوا تلك الإشكالات، بمزيد من التحريف والتغيير لدين الله. والواجب أن نقرر: أنه ليس من "ذنب" الإسلام أن يكون المجتمع قد انحرف عن الجادة، فأخرج المرأة إلى العمل، وأجبرها على الإنفاق داخل مؤسسة الأسرة، وطالبها بما يطالب به الرجل. فهذه كلها انحرافات عن الوضع الطبيعي، الموافق للشريعة. وانبنى على هذا الانحراف: مطالبة بعضهم بالتسوية في الموارد المالية (ومنها الإرث)، كما وقعت التسوية في الإنفاق. ونحن نريد أن تطبق تعاليم الإسلام كاملة كما أنزلت: أحكام الإرث كما أراد ربنا، ووجوب النفقة -في الأصل- على الأب والزوج. 9- هل نبيح ما يمارسه المجتمع في الخفاء؟ يقول قائلهم: إن الإجهاض والزنا والإفطار في رمضان واستهلاك الخمر سلوكات اجتماعية موجودة، ولا سبيل إلى منعها، والمجتمع ماض في التطبيع معها لذا يجب القبول بها وعدم معارضتها. والجواب: أن يقال: إن تطبيع المجتمع مع المعصية انحرافٌ في سير المجتمع، فلا يحتج به. وتناول المخدرات أيضا سلوك اجتماعي، فكان ماذا؟ وهل كل ما يمارس في الخفاء، يجب تقنينه وإباحته؟ إذن يجب تقنين البيدوفيليا، وزنا المحارم، والاغتصاب، والرشوة، وغير ذلك! إن الإسلام يتدخل في تنظيم المجتمع. كما أن قوانين الدولة الحديثة تتدخل لتنظيم المجتمع. وكلاهما غرضه تحقيق العيش المشترك. فلم يستنكرون تنظيم الإسلام، ويقبلون تنظيم القوانين الحديثة؟ ويقول بعضهم: إن منع المحرمات يؤدي إلى النفاق! والجواب: إن أفضل المجتمعات وأزكاها هو مجتمع النبوة. وقد وجدت فيه ظاهرة النفاق، كما هو معلوم. ولم يوجد إلا في المدينة حين قوي الإسلام واشتد عوده. فوجود النفاق علامة صحة وقوة في الأمة والمجتمع. ويلزم على قياسهم أن تباح المخدرات، لأن منعها يؤدي إلى تناولها في الخفاء، ويفضي إلى النفاق!! والحق أن النفاق لا يكون بسبب تطبيق الشريعة، وإنما يكون: بنشر الشبهات والشهوات، وفتح الباب أمام التنصير والطوائف الضالة، وإضعاف التعليم الديني، ونحو ذلك. ومما ينبغي توضيحه: – في الإسلام: الإسرار بالمعصية خير من المجاهرة بها (كل أمتي معافى إلا المجاهرين). – فعل المعصية سرّا ليس بالضرورة عن نفاق أكبر، بل قد يقع المسلم في المعصية مع اطمئنان قلبه بالإيمان، ولكن يضعف إيمانه حال ارتكاب المعصية. – الغالب على الناس أنهم إذا ألزموا بترك المعصية، فإنهم يتركونها فعلا، لاجتماع داعي الشرع في القلب وداعي السلطان (قوة القانون). والأقلية هم الذي يتسترون بفعلها عمدا.