إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل) الثلاثاء 03 مارس 2015 تاريخ المسلمين عربا وعجما بدأ بنبوةٍ تسوس الناس بهدي القرآن، ويستنير فيها الأعمى والبصير بنور السنة، فمات نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كَمُل الدين تنزيلا وتطبيقا، ثم تلت النبوةَ خلافةٌ راشدة بَنتْ للأمة مجداً على أسس العدل والإحسان، فدخلت في الإسلام أمم الأرض ودانت له حضارة الروم والفرس، ثم تلاها ملكٌ عضوض، عض فيه الناس على السنة والقرآن والجهاد حتى لا تضِلَّ الرعية وينمحي الإيمان، فكانت محنة مالك، وفتنة أحمد، وجِهاد العِزِّ، وجِلاد ابن تيمية حتى مات في السجن صابرا محتسبا؛ ثم جاء آل عثمان التركي، بعد أن تلاشى حكم بني العباس وتلاعبت به المماليك تستحيي من خلفائهم من تشاء وتقتل من تشاء، وتعاقب نسل آل عثمان على الحكم باسم الخلافة الإسلامية، ودانت لدولتهم كل بقاع الإسلام وبعض بلدان أوربا، ما عدا المغرب الأقصى، وحكموا ستة قرون ونيف، كان للإسلام في عهدهم قوة ومنعة، بلغت حد استرضاء خلفائهم بالهدايا والقرَب من طرف ملوك أوروبا وقياصرتها مقابل أن يضمنوا عدم إرسال الجنود المجاهدين الأتراك صوب حدود بلدانهم. وبعد هذه القوة والمنعة قضت سنة الله في الأمم، أن تأفل شمس الخلافة، وأذن مالك الملك أن يُنزع مُلك آل عثمان من أيديهم بعد فشو الظلم والقهر والبدع والشركيات، فتفرقت أقاليمهم وبلدانهم بين أيدي أعدائهم من الروس والإنجليز والهولنديين والبلجيك والفرنسيين والألمان، بعد حروب ضروس، ومعارك فتاكة، تآمر فيها العلمانيون الأتراك من حزب تركيا الفتاة، وجمعية الاتحاد والترقي مع الغرب بزعامة الإنجليز الصهاينة، إلى أن أعلنوا سَوِيًّا في مؤتمر لوزان موت الخلافة الإسلامية، واستبدالها بنظم العلمانية المستوردة من لندن وباريس، وأعطيت فلسطين لليهود الصهاينة، وقسمت تركة العثمانيين بين الدول الغربية المنتصرة، بعد طول حروب سماها رهبانهم وملوكهم الحروب الصليبية. ثم توالت عقود مديدة من الاحتلال فشا فيها القتل والتشريد لشعوب المسلمين، والاستغلال والاستنزاف لثرواتهم، فمجازر الروس في بلدان القوقاز المسلمة ربت عن الملايين من القتلى، ومجازر الفرنسيين في الجزائر وحدها فاتت المليون شهيد، دون احتساب عقود من التقتيل في المغرب وتونس وسوريا وبلدان إفريقيا، أما الإنجليز فحدث ولا حرج. ثم بعد الاحتلال، سلمت الدول الغربية الحكم في بلدان المسلمين لمن نشأ تحت أعينهم إما بالمباشر أو عن طريق الانقلابات، ليتموا مشاريعهم في بلداننا، فكانت بدايات الحكم الجبري، عاش المسلمون في ظله التقتيل من طرف حكامهم الذين تفرق ولاؤهم بين الاتحاد السوفييتي والأمريكان، فكانوا أعداء لكل من يُذكِّرهم بوجوب تطبيق الشريعة أو الحكم بما أنزل الله، والعمل بنظام الخلافة بدل النظم العلمانية، فدخل الناس من جديد السجون بعد عقود من جهاد العدو المحتل، ومات آخرون تحت التعذيب أو على حبال المشانق أو رميا بالرصاص. مضت الأيام وأُسْكِت الناس بالحديد والنار، وكممت الأفواه بالعصا والجزرة، واشتغل الناس بالقومية والبعثية والناصرية، وكانت فلسطين القضيةَ التي تُنسِي كل القضايا، لذلك حرص كل الحكام أن يمسحوا ظلمهم وفشلهم وتواطؤهم بأوراقها، فما أكثر خطب القادة والزعماء التي دبجت في الجهاد ضد الصهاينة، فمات كل القادة والزعماء، وبقيت دولة صهيون تدنس الأقصى وتقتل أبناءنا هناك، واستبدل القوم خطب الجهاد بخطب التطبيع. بين عشية وضحاها في يوم من أيام الربيع ثارت الشعوب شعبا شعبا، سحبت الدول الغربية التأييد عن حلفائها، خلت بينهم وبين شعوبهم، سقط الزعيم تلو الزعيم، ثم هاج الناس وماجوا، وما دامت هذه الثورات لا زعماء لها، لم يجد الناس سوى صناديق الاقتراع حَكَما، بعد إعلان النتائج، لم يرض أزلام النظم البائدة بحكم الصناديق فبدأت الانقلابات من جديد، وبقيت البلدان بلا حاكم ولا زعيم. واقع مرير يوما بعد يوم: ضعف وهوان، وحرب ونفي وتشريد، وجوع وقتل وتدمير، دول لا نظام لها، وشعوب لا أمان لها، ونساء ثكالى خائفات من ظلام ليل تضيئه القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة، ويتامى يمشون تحت مطر أحمر من الدم بين أشلاء إخوانهم وآبائهم، مدارس دكت على رؤوس التلاميذ، ومستشفيات انهارت على أجساد مرضى منهكين، وعدو يفتك بالجميع، بسلاح اشتراه الظالمون بثروات الأمة، أو رهنوا فيه مستقبلها ليحموا أنفسهم وكراسيهم. سيسيٌّ هنا يحرق الصائمين القائمين، وحوثيٌّ هناك يذبح النساء والأطفال ويهدم دور القرآن، ورافضي بالقرب من دجلة يُهرب نفط الفرات بأبخس الأثمان، ليُرضيَ عنه من ولاه من الأمريكان بعد أن دمروا شعبا كي تحكم طائفة الخسران. آذان دوَّى من صوامع المساجد يعلن الرفض دينا جديدا في يَمن الحكمة. ويُكتَم صوت القنوات والمآذن، وتحرق المساجد والمصاحف، وترقص الصهيونية فوق الجثامين في رابعة والنهضة، تحت أنغام البارود والرصاص، لتعيش من جديد أمتنا النكسة والنكبة. ومحكمة في مصر تعلن أن حماس الجهاد إرهابية. عجبا، كيف أصبح جهاد حماس ضد يهود إرهابا وهمجية؟ ألوف مؤلفة من شباب الأمة، قضت مضاجعهم أهوال الصدمة. تملكتهم نخوة الإسلام.. تجهزوا بعد أن سمعوا الهيعة تملأ سمع الأنام.. وبعد أن أفتاهم مائة عالم في مؤتمر رسمي.. بوجوب الجهاد لإنقاذ بلاد الرافدين والشام، من خطر الروافض وحزب اللات والصهاينة والأمريكان. فتحت المعابر ومدت القناطر وفُتحت المطارات وامتلأت الطائرات، بقوافل الشباب الغض المفعم بروح الجهاد، عبر تركيا من مختلف بقاع العالم من لندن وباريس، وتونس والرباط، وروما وجنيف، من برقة والرياض، وكشمير وكابل، من العرب والعجم ومن كل أحمر وأصفر وأبيض، من كل الأجناس والأقوام والقبائل، توحدهم قضية واحدة: الجهاد، فقد أخبرهم العلماء أن الجهاد فرض عين لإجلاء العدو الكافر المتآمر مع الرافضي المكفر للصِدِّيق والفاروق، والساب لحفصة العمرية، وأمنا عائشة الصديقية. كسروا الأقلام ومزقوا الدفاتر، وهجروا الأوطان وفارقوا الأحباب دون قبلات الوداع، توزعوا منهم من التحق بالنصرة لنصرة القضية، ومنهم من انضم إلى الجيش الحر بحثا عن الحرية، وآخرون التحقوا بتنظيم الدولة لإقامة الخلافة. بين عشية وضحاها، أصبح الجهاد في سوريا إثما وخروجا وتكفيرا، ووصل الخبر دون سند، لكن وصل بقوة إلى كل الناس: أن كل من يحمل السلاح في سورياوالعراق إرهابي، واستشهد مروجو الخبر بأشرطة حرق الكساسبة، وذبح الأقباط والجواسيس، فحار الناس هل القوم مجاهدون أم صنيعة الأمريكان؟ أمريكا التي هالها توسع تنظيم الدولة في البلاد، وخافت على نفط العراق وغاز الشام أن يقطع «الإرهابيون» صبيبه عن شركاتها، فأمرت عالَمها الغربي وحلفاءها العرب، أن يجتمعوا ويتحالفوا لحرب تنظيم الدولة الإرهابي، الذي هو في الحقيقة: مئات الآلاف من أبنائنا، توزعوا بين ملايين من إخواننا من العراقيين والسوريين، فكيف يمكن انتقاؤهم؟ لا بد إذاً في حالة حرب التحالف الأمريكي عليهم من إبادة مئات الآلاف من المسلمين من الرجال والنساء والولدان والعجائز. فكيف يعقل أن تنخرط الدول الإسلامية في إبادة الآلاف من المسلمين مهما كان جرمهم؟ وكيف المخرج بعد ذلك هل سنُبيد الملايين من العراقيين والسوريين حتى نضمن الأمن للمصالح الأمريكية؟ ومن أفتى بجواز التحالف أو الاستعانة بالكفار من الأمريكان والفرنسيين والإنجليز لقتل الملايين من المسلمين؟ إن الدول الإسلامية إذا ساهمت في التحالف الذي يرمي إلى قتل الملايين من المسلمين، لن تعرف بلدانها الاستقرار إلا بمعنى الخضوع، حيث ستكون أول نتائج هذه الحرب، وضع أسس الشرق الأوسط الكبير الذي ستحكمه «إسرائيل»، والذي يعتبر شرطا من شروط وجود النظام الدولي الجديد الذي أعلن عنه بوش الأب. إن السماح بالقضاء على التنظيمات الجهادية لن يخدم مصالح الشعوب الإسلامية، بل سيقتل فيها روح الدفاع عن قضاياها المصيرية وأولها القدسوفلسطين، وستخلو الساحة بعد تدمير «عش الدبابير»، من كل مقاومة للمد الشيعي الذي تُسَرّع أمريكا من توسعه، لأنه اللاعب الأساس في قتل المقاومة السنية التي تعتبرها العمائم السود أخطر على نظام ولاية الفقيه من الكيان الصهيوني. لهذا نرى أن المشاركة في التحالف الأمريكي ضد المسلمين في العراق والشام، سيكون شرا مستطيرا على المسلمين في المشرق والمغرب. وأن الحكمة والدين تمنعان من المشاركة في حرب لن نكسب من ورائها سوى المزيد من الذل والضعف وتقتيل المسلمين، في حين ستكسب العدو القوة والمنعة والتغلغل في الأرض وانتهاك العرض، واستنزاف الثروات. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. [email protected]