هو سؤال كثيرا ما يطرحه المتشككون والملاحدة على وجه التهكم أو التعجيز، وتفصيل جوابه على ما يأتي: في تصور المسلمين، الإنسان مخلوق عاقل مكرم مكلف بمهمة الاستخلاف في هذه الأرض، لم يخلق عبثا، سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ليعينه على تلك المهمة الاستخلافية، وهذا واضح في مواضع كثيرة من القرآن.. ثم زوده بأدوات وهدايات، أهمها هداية العقل وهداية النبوة وهداية الحواس وهداية الغرائز، ومنحه حرية الإرادة والحركة باعتباره مسؤولا عن تحقيق العدل وإقامة الوزن بالقسط، وإخلاص العبادة لربه، والضرب في الأرض بحثا عن الرزق الحلال. وبعد هذا لم يتركه سدى، بل هو محاسب عن عمله الذي أمضاه في الدنيا، في دار أخرى بعد الموت يتحدد فيها مصيره النهائي. فهل تدبير الله لشؤون عباده المكلفين فيما هم فيه مخاطبون على وجه الاختيار ينحصر في تزويده إياهم بتلك الهدايات الأربع وما يتفرع عنها؟! أم هناك تدخل إلهي مستمر في حياة هذا الإنسان؟! هذا ما تجيب عنه النصوص الدينية الآتية: يقول الحق سبحانه (فاذكروني أذكركم) ويقول (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) ويقول (أدعوني أستجب لكم) ويقول (إن تنصروا الله ينصركم) ويقول (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) ويقول (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) ويقول (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم).. وفي الحديث الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم (احفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك..) في المقابل يقول تعالى عمن أعرض ولم يرفع رأسا بكلمة ربه: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) وقال سبحانه (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وقال (نسوا الله فنسيهم) وقال (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) وقال (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم).. ونظير هذا في القرآن كثير، يدل على وجود علاقة جدلية مستمرة بين الله سبحانه وعباده، إيجابا وسلبا، بحسب تفاعلهم مع كلمته التي أودعها في كتبه المنزلة، توضحها الآية الجامعة في هذا الباب، وهي قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى). فالله خلق عباده ولم يتركهم سدى، بل يدبر شؤونهم التكليفية كما يدبر شؤونهم القدرية (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن).. بل وأعلمهم بسنن اجتماعية وقدرية تسري عليهم في هذه الدنيا، مثل قوله تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ). وقوله سبحانه (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). وقوله جل شأنه (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). وأمرنا بالاعتبار من أحوال السابقين وما نزل بهم من عقاب إلهي، فقال: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ). ونظير هذا في القرآن أكثر من أن يحصى، يدل على أن الله حاضر معنا يدبر أمورنا بالليل والنهار، من غير تعطيل لإرادتنا في الاختيار، فتأمل هذا فإنه نافع بإذن الله لمن يبحث عن الحقيقة.