هوية بريس – الثلاثاء 24 فبراير 2015 لم تتوقف الرسائل من أمس من الأصدقاء المتابعين من ذوي التخصصات المهنية والذين تنازعهم رغبة الاشتغال الشرعي، ويريدون جوابا حول الفرص المتاحة للجمع بين المجالين أو إفراد أحدهما.. وأقول: لا بد من أن نقرر أولا أن لدينا قدرا لازماً من المعرفة الشرعية أو المعرفة في التخصص لا بد من تحصيلها لبراءة الذمة فنحن نتكلم عما فوق هذا القدر. أيضا لا دخل لنا بمن يريد التفرغ المهني غير الإصلاحي فهذا طالب دنيا فحسب لا كلام لنا معه هنا. مثله بالضبط مثل من لا يحتاج في تفرغه الشرعي لعمل أو مهنة، هذان لا مشكلة عندهما أصلا. بعد ذلك لدينا عدة صور للموضوع.. الصورة الأولى: من يريد التمكن في عدد من العلوم الشرعية على سبيل التفنن ويريد مع ذلك التفرغ للتخصص المهني والنبوغ فيه وتحويله إلى حقل نفع عام وإصلاح مجتمعي. والجواب: أن هذا شبه مستحيل. الصورة الثانية: من يريد التمكن من أحد العلوم الشرعية على سبيل التخصص ويسأل هل يمكن مع ذلك التفرغ للتخصص المهني والنبوغ فيه وتحويله إلى حقل نفع عام وإصلاح مجتمعي؟ والجواب: أن هذا ممكن ولكن لا يستطيعه إلا من كل عشرة آلاف رجل= رجل. الصورة الثالثة: من يريد التمكن في عدد من العلوم الشرعية على سبيل التفنن مع الحفاظ على عمله المهني كباب للرزق في حده الأدنى. والجواب: أن هذا ممكن ولكن لا يستطيعه إلا من كل عشرة آلاف رجل= رجل. الصورة الرابعة: من يريد التمكن من أحد العلوم الشرعية على سبيل التخصص مع الحفاظ على عمله المهني كباب للرزق في حده الأدنى. والجواب: أن هذا ممكن إلى حد كبير. الصورة الخامسة: من يريد الحد الأدنى من العلوم الشرعية مع التفرغ للتخصص المهني والنبوغ فيه وتحويله إلى حقل نفع عام وإصلاح مجتمعي؟ والجواب: أن هذا ممكن إلى حد كبير. فالصورتان اللتان يستطيعهما عدد كبير من الناس هما الصورتان اللتان ينزل فيهما الاشتغال الشرعي أو الاشتغال المهني إلى حده الأدنى. لابد أن تختار أحدهما لتضعه في المركز، وتنقل الآخر إلى الهامش الداعم. فإما أن تجعل القراءات الشرعية هامشاً داعما للتفرغ المهني الإصلاحي، وإما أن تجعل الجانب المهني مجرد وظيفة على هامش التخصص لدراسة علم من العلوم الشرعية والعلوم اللازمة له. نأتي إلى سؤال: كيف أحدد ما الذي سأجعله في المركز؟ وجواب هذا السؤال لا يستطيعه سواك، بناء على معرفتك بأدواتك ومهاراتك وما يمكنك النبوغ فيه، وتساعدك بيئتك على النبوغ فيه، كما لابد من تحديد التضحيات التي يمكنك تحملها في حالة الاختيار؛ فالذي يريد التخصص في أحد العلوم الشرعية وجعل التخصص المهني في حده الأدنى= لابد أن يعلم أن حظه من الدنيا-غالبًا- سيكون أقل من أقرانه الذين يتفرغون لتخصصهم المهني، فهل يمكنك تحمل هذا؟ أثناء الدراسة الجامعية لابد أن يكون مجالك المهني هو ما في المركز ضرورة وما في الهامش هو تأسيس عام وأصلي في العلوم الشرعية، ولو نجحت في إنهاء المرحلة الأولى من العلوم الشرعية جميعا أثناء الدراسة الجامعية= فهذا مكسب كبير. بعد إنهاء الجامعة تبدأ الاختيار.. هناك أمر مهم لابد أن تعرفه وأنت تختار: لا فرق بين المجالين من حيث الأجر والفضل ومحبة الله لهما بل قد يكون المجال المهني أحب عند الله ما دمت ستنفع به الناس وتوظفه للإصلاح العام على الصورة التي شرحتها في منشور أمس. والمهم أن تحذر من أن تبدأ في التخصص المهني تريد نفع الناس والإصلاح العام فتنتهي تاجرًا ينهش الدنيا وتنهشه، وحذار أن تتفرغ للتخصص الشرعي فيصيبك الوهن بعد حين وتندم على ما فاتك من الدنيا وتذهب لتحصله على كبر فلا أنت أدركت ما أدركه أقرانك، ولا أنت بقيت على ما أنت عليه من طلب هذا العلم.