كما لا يجهل جلكم إن لم أقل كلكم، أن الإسلام له نواقض تهدم أصله، وتقطع حبل وصله، وللوضوء نواقض تنفيه وتثبت النقيض لنافيه، فكذلك هناك نواقض تسمى نواقض الأخوة، أو سمها نواقض المحبة، وكلاهما بمعنى واحد فلا تسمى الأخوة أخوة حتى تجتمع فيها صفات أجلها وأعظمها المحبة، وأخوة بلا محبة كسارب يحسبه الظمئان ماء. فما هي الإخوة؟ وما هي نواقضها؟ الإخوة أرشدك الله وأحبك هي علاقة بين اثنين أو أكثر تستوجب المحبة والتناصح والإرشاد والمساعدة والمساندة والتقوية. فكل كلمة من هذا العبارات تضم مخالفة ناقضا من نواقض الأخوة ومفسدا من مفسدات المحبة. فأخوك الحق من يحبك فينفي الأذى والقذى عنك،وينصرك ظالما أو مظلوما، ويرشدك إن ضللت الطريق وغيرت السبيل، ويشد عضدك إن ضعفت، ويذب عنك إن شتمت أو حقِّرت، تراه حارسا أستاذا طبيبا خريثا أبا وأخا وعما وخالا، همه سام ونظره بعيد، فعاله تقول معا إلى الجنة يا أخي في الله، ورسوم وجهه تقول موعدنا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهيهات هيهات أن تجد في عصرنا هذا أخا صادقا صدوقا كهذا أو نصيفه، في عصر فسدت المفاهيم وتعلق الناس بالمادة، الأخوة عندهم حروف تخط، وكلمات تقال، وعناق في ساحات المساجد، وبسمة يعلوها عبوس كالخسوف تداخلا، يعرف أخاه حين يلقاه ويجهله إن استتر عنه وخلاه، إن سجد فنفسي نفسي، وإن حج فنسفي نفسي، وإن قام الليل فنفسي نفسي، أخوة عند اللقي جهالة عند العشي. ولكن لا نعمم ولا نحجر ونقول الخير باق ، والقلة المحمودة لا تموت. وعليه: فاعلم أخي القارئ أختي القارئة فكما أن الإيمان درجات فكذلك الأخوة مراتب ودرجات ونواقضها منازل ودركات. وكما أنه لا إيمان كإيمان جبريل عليه السلام فكذلك لا أخوة كأخوة الصحابة رضي الله عنهم والنبي الجليل صلى الله عليه وسلم. وكما أن الإيمان يزيد وينقص فهي كذلك تزيد وتنقص، وتفتر وترخص، تزيد بالإعتناء والمعاملة ،وتنقصها بالتجاهل والمغافلة. فيا باحثا عن مثبتات الإخوة إليك نواقضها لتتجنبها ومصلحاتها إن وقعت فيها. الناقض الأول وهو ناقض يهدم الأصل ويقطع حبل الوصل ، ويقبح الجميل ويصير العزيز ذليلا ، ناقض تجنبه واجب والهروب منه فرض مؤكد، والقرب من حماه مكروه، والوقوع فيه حرام أخوة، ألا وهو إظهار البغض وستر الغض، فهذا ناقض يقطع الحبال ويحبس الأوصال ويقبح الجمال، ويدخل تحت هذا الناقض الميل عن الأخ إلى آخر، فاحذر ثم احذر فالحذر هاهنا واجب. الناقض الثاني وهو التغافل والتناسي إذ أن الأخوة تحث المتلبس بها على تذكر أخيه والسؤال عنه والدعاء له وتقصي أخباره ،ويدخل تحت التناسي النسيان والفرق بينهما أن الأول إظهار والثاني فعل، وكلاهما مكروه. الناقض الثالث وهو بخث الأخ حقه وغمطه واجبه، فلا تعط لأخيك حقا وتبخل عليه بدقائق من وقتك ولحظات من يومك، والدافع للوقوع في هذا الناقض هو التنقص والإرذال، وما أدى للناقض فهو ناقض. الناقض الرابع عبوس الوجه وسلاطة اللسان، فتكون في نشاط وابتسامة فإذا بان الأخ الصديق، عبست وجهك وغلقت شفتيك وكأنها أبواب قصر العزيز، فيجد الوافد من هذه التغيير نصبا، ويصب عليه سحاب وجهك تعابا، فابتسم تسلم وجمل منطقك تغنم. ونواقض الأخوة كثيرة لا تنحصر ونجملها فنقول إن نواقض الأخوة قسمان أحداث تنقض الأخوة بنفسها وأسباب تؤدي إلى الأحداث فتجنبهما ولتجعل بينك وبينهم حجابا. قد يقول القائل كل بني آدم خطاء فكيف يسلم أحد من أحد هذه النواقض؟ فنقول له المطلوب من كل شخص شخصا التملص والهروب من هذه النواقض والعزوف عنها، فإذا قُدر ووقع فيها فلا ييأس فلهذه النواقض طهارة ترفعها وتنزه يطردها. فإذا كان الناقض صغيرا وجب فيه الاعتذار مصحوبا استحبابا بكلمة طيبة ترجع المياه لمجاريها، وتسكن القلوب أهليها. أما إذا كان الناقض هادما أي عظيما وجب فيه الاعتذار والهدية والكلمة الطيبة. "إنما المومنون إخوة".