الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المؤمنين وعلى محمد و على آله وصحبه أجمعين . يقول الله سبحانه وتعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (سورة المائدة:3) ويقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (سورة آل عمران:19) ويقول سبحانه وتعالى : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة آل عمران:85) ويقول سبحانه وتعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (سورة آل عمران:83) فالدين هو دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو دين عام لجميع البشرية، وعام لجميع الزمان إلى أن تقوم الساعة منذ بعثته صلّى الله عليه وسلّم، والأديان التي قبل الإسلام جاءت بها الرسل أيضاً، هي أديان صحيحة وهي دين الله سبحانه وتعالى، ولكن دين الإسلام جاء ناسفًا لها، ووجب على كل أهل الأرض أن يعتنقوه وأن يسكنوا فيه، لأنه هو الدين الباقي، أما الأديان السابقة فقد نسخة بهذا الدين،فمن بقي على الأديان السابقة لم يكن مؤمنا بالله ولا برسوله صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن على دين لأنه على دين قد نسخ والدين المنسوخ لا يجوز البقاء عليه، ولا يكون طاعة لله سبحانه وتعالى بعد نسخه، إنما يكون طاعة لله تعالى قبل نسخه، أما إذا نسخ فقد انتهى، ويجب المصير إلى الدين الناسخ وهو الإسلام، سواء في ذلك اليهود والنصارى أو غيرهم من بقية الكفرة، وسائر أهل الأرض لا يسع أحدا إلا الدخول في هذا الدين، دين الإسلام الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم دين الإسلام (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام إن استطعت إليه سبيلا). وهذه الأمور الخمسة: الشهادتان وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الله الحرام، هذه أركان الإسلام التي يقوم عليها، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام). وهناك واجبات، وهناك طاعات كلها مكملات لهذه الخمسة، هذه الخمسة هي الأركان التي يقوم عليها بناء الإسلام، وأعمدته التي يبنى عليها، وبقية الطاعات من واجبات ومستحبات، إنما هي مكملات ومتممات لهذا الدين. فهذا الدين كله خير وكله نعمة لأن الله سماه نعمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (سورة المائدة:3)، سماه نعمة، وشهد الله بأنه دين كامل، يعني ليس فيه نقص، بمعنى أنه وافٍ لكل ما يحتاجه العباد في دنياهم وفي آخرتهم، لما فيه صلاحهم وخيرهم ونجاتهم، وسعادتهم عند الله سبحانه وتعالى، فهذا الدين كفيل من تمسك به وسار عليه، كفيل بأن يسعد في الدنيا والآخرة، أما من أعرض عنه ولم يدخل فيه، أو دخل فيه ولكنه ضيع بعضه وتمسك ببعضه، الذي لم يدخل فيه أصلا يكون كافراً من أهل النار خالدا مخلدا فيها، والذي دخل فيه لكنه انتقص منه شيئا فهذا يكون دينه ناقصاً بحسب ما انتقص منه، قد لا يكون دينا إذا كان النقص يتنافى مع أصل الدين، فالذي لا يصلي مثلاً، الذي لا يصلى هذا ليس عنده دين لأنه ضيع عمود الإسلام، وكذلك الذي يشرك بالله عز وجل هذا ليس عنده دين، لأن الشرك يناقض الإسلام وما فيه، وكذلك الذي يرتكب أي ناقض من نواقض الإسلام، أسباب الردة فإنهيخرج من هذا الدين، ويكون كافرا مرتدا، ولو كان يصلي ويصوم و يحج ما دام أنه لم يتب من هذا الناقض الذي ارتكبه، فإن هذا الناقض يفسد عليه دينه، ويبقى يعمل على غير دين وعلى غير هدى، أما الذي يكون قد صدر منه خطأ أو نقص في دينه لكنه لا يصل إلى حد الردة كالعصاة مثلاً، فهذا لا يخرج من الدين، لكن يكون دينه ناقصاً، ويكون معرضا للعقوبة،معرضا لدخول النار، فالخطر شديد في هذا، لكن إذا كانت المخالفة تخرج من الدين فإن خطرها أشد، لأن الإنسان قد يتعب ويظن أنه على دين، وهو ليس على دين، بسبب أنه مقيم على ناقض من نواقض الإسلام لم يتب منه، ومن هذه النواقض الاستهزاء بالدين، الإنسان ولو كان يصلي ويصوم ويعمل الطاعات لو استهزأ بالدين ولو بكلمة واحدة أو مرة واحدة،فإنه يخرج من هذا الدين، ويكون مرتدايجب عليه التوبة إلى الله عز وجل، و الدخول في الدين من جديد، وإلا إن استمر ولم يتب فإنه يكون على غير شيء، على غير دين، والدليل على ذلك قوله تعالى (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُون *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (سورة التوبة:65-66).
طائفة من المنافقين استهزؤوا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، الصحابة استهزؤوا بهذا الدين، فنزل الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخبرهم بأنهم ارتدوا عن دين الإسلام بسبب ما قالوا، فجاءوا يعتذرون إلى الرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويقولون: إنما تكلمنا من باب المزح، لم نرد الاستهزاء بالدين وإنما أردنا المزح واللعب (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (سورة التوبة:65-66) جاءوا يعتذرون و يقولون: يا رسول الله إنما تكلمنا بهذا الكلام من أجل المزح، من أجل اللعبوالترفيه عن أنفسنا، ما قصدنا الاستهزاء بهذا الدين. الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقبل منهم هذا الاعتذار، وإنما أجابهم بما أمره الله تعالى به، وهو قوله (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (سورة التوبة:65-66). لم يجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، ولم يلتفت إلى من جاء يعتذر إليه لم يلتفت إليه، ولم يزد على أنه يتلو عليه هذه الآية، لأن الله أمره بذلك (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (سورة التوبة:65-66)الخطر شديد لأن بعض الناس خصوصاً الجهال قد يأخذهم المزح واللعب بما بينهم، فيتناولون هذا الدين بشيء من السخرية، أو التنقّص، أو يقولون: هذا دين فيه شدة، أو هذا دين قاسي، أو ما أشبه ذلك، فمن قال هذا الكلام أو أمثاله فإنه يكون مرتدا عن الإسلام، ولو كان يصلي الليل والنهار، و يصوم كل الدهر، إذا صدر منه كلام من هذا سخرية بالدين، والتنقص بالدين فإنه يكون كافرا مرتدا، إن لم يتب إلى الله توبة صحيحة فإنه يعيش على غير الإسلام. ومن ذلك أن يستهزئ بشيء من أسماء الله، أو من صفات الله عز وجل، أو أن يستهزئ بالصلاة، أو يستهزئ بالزكاة، أو بالصيام أو بالحج، أو يستهزئ بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كأن يستهزئ بشيء ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، مثل السواك، مثل إعفاء اللحى، و إحفاء الشوارب، مثل سائر الطاعات ولو كانت مستحبة، ولو كانت هذه الطاعات من مستحبات ليست من الواجبات، إذا استهزأ بها فإنه يكون كافرا، لأنه استهزأ بدين الله عز وجل، والله ذكر عن المنافقين أنهم كانوا يستهزؤون كما قاله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) (سورة البقرة:14)، يعني إذا ذهب المنافقون الذين يدّعون الإسلام، إذا ذهبوا إلى الكفار وإلى اليهود وغيرهم، (قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ) (سورة البقرة:14)، يقولون: إنما دخلنا في الإسلام من أجل الاستهزاء لا من أجل الحقيقة، وإلا فنحن معكم أيها الكفار، نحن معكم على دينكم، ولكننا خدعنا محمداً وأصحابه فأظهرنا الإسلام ونحن غير صادقين في ذلك، لنخدعهم إنما نحن مستهزئون، قال اللهتعالى: (اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (سورة البقرة:15).
هذه عقوبة نار، الله يستهزئ بهم، يعني يجازيهم على استهزائهم لأن الله سبحانه وتعالى يستهزئ بهم ويحتقرهم، ويهينهم، ويعذبهم، وفي يوم القيامة إذا طمعوا في النجاة يعطون شيئا من الطمع في النجاة مع المسلمين، ثم يسلب ذلك منهم (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) (سورة الحديد:13). يوم القيامة يكون المؤمنون في نور (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ) (سورة التحريم:8). يكونون في نور، ويكون الكفار في ظلمة والعياذ بالله، لأنهم ليس معهم إيمان، فيكونون في ظلمة شديدة، لا يدرون ما تحت أقدامهم. المنافقون يعطون نورا قليلا في أوّل الأمر، نورا قليلا في أوّل الأمر يعطون إياه من باب السخرية بهم،يفرحون به، ثم يسلب منهم، ويصبحون في ظلمةيتخبطون، عند ذلك يستغيثون بالمؤمنين يقولون: (انظُرُونَا) (سورة الحديد:13) يعني انتظروا حتى نلحق بكمنقتبس من نوركم، حتى نستغيث بنوركم،يطلبون من المسلمين أنهم يقفون لهم حتى يلحقوا بهم ويستضيئوا بنورهم، (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (سورة الحديد:13)، هكذا يحكم الله تعالى بين خلقه يوم القيامة، يعزل أهل الإيمان عن أهل النفاق، فيكون أهل الإيمان في الجنة وفي النور، ويكون أهل النفاق والكفار في ظلمة وفي جهنم (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (سورة الحديد:13) ينادونهم، المنافقون ينادون المسلمين، ألم نكن معكم يعني في الدنيا، ألم نكن نصلي ونصوم ونحج معكم؟ فيجيبهم المؤمنون (بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (سورة الحديد:14)، الشيطان، الغرور هو الشيطان، (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ) (سورة الحديد:15)، يعني ما يُقبل من الإنسان أن يشتري نفسه بالمال ولو كان المال كثيرا، (لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ)(سورة الرعد:18)، لكن لا تقبل الفدية، ولو أن لهم ملء الأرض ذهباليفتدوا به يوم القيامة ما تقبل منهم، ملء الأرض ذهب لا يقبل منكم فدية، ولا من الذين كفروا، يعني أنتم والكفار سواء (مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(سورة الحديد:15). فالأمر خطير جدًا، الواجب على المسلم أن يحترم الإسلام، وأن يعظم الإسلام، وأوامر الدين وأن لا يستهزئ بشيء من الإسلام ولو كان من السنن والمستحبات، بل يعظم الدين (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (سورة الحج:32). قال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (سورة الحج:30). الواجب تعظيم الدين، تعظيم الأوامر الشرعية والنواهي واحترامها، وكذلك تعظيم المؤمنين، لا يجوز للمسلم أن يسخر من إخوانه المسلمين، بل الكفار إذا سخروا من المسلمين فإنهم يوم القيامةيُعْكَس عليهم الأمر، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (سورة المطففين:29) يعني في الدنيا. (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) (سورة المطففين:30) يغمز بعضهم البعض سخرية بالمسلمين، تنقيص للمسلمين، احتقار. (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ) (سورة المطففين: 30-31) ، يعني إذا ذهب الكفار إلى بيوتهم انقلبوا فكهين، يحدثون في البيوت، يقولون: نحن سخرنا من المسلمين، نحن استهزأنا بهم، نحن أذيناهم، يعتبرون هذا من المفاخر أنهم آذوا المسلمين، (انقَلَبُواْ فَكِهِين)، (وَإِذَا رَأَوْهُم)إذا رأى الكفار و المجرمون، إذا رأوا المسلمين (قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ)، يقولون إن المسلمين مخطئون في تديّنهم، الواجب أنهم يسيرون مع الناس، وأن لا يتشددوا، لأنهم يعتبروا الدين تشدّد، الواجب أنهم يكونون مع الناس متسامحون، ويعشون مع الناس ولو كان هذا على الكفر وعلى المحرمات، فهم ضالون، يعني مخطئون في تديّنهم وفي تمسكهم بالدين، قال الله تعالى: (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (سورة المطففين:33)، الله لم يجعل الكفار مراقبين على المسلمين، يعدّلون عليهم، ينتقدوهم، الله لم يجعلهم حافظين عليهم،أوصياء عليهم.
ثم بين سبحانه وتعالى العاقبة: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (سورة المطففين:34)، يوم القيامة يكون الكفار في العذاب وفي الهوان، والمسلمون في الكرامة والرفعة و الجنة، ويُطلُّون من الجنة، وينظرون إلى الكفار وهم في النار ويعذبون، فيضحكون منهم، جزاء، ينتقمون منهم، (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (سورة المطففين:34)، كما ضحك الكفار من المسلمين في الدنيا، فإن المسلمين يوم القيامة يضحكون من الكفار وهم في النار، (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) (سورة المطففين:35)، يُطلُّون عليهم من الغرف العليَّة في الجنة، على المجالس المرتفعة يطلون على الكفار على أعدائهم الذين آذوهم في الدنيا، وضايقوهم، يُطِلُّون عليهم من الغرف العَليَّة، ومن المجالس البَهيَّة، وهم في النار يعذبون ويهانون وهم يضحكون منهم (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، نعم قد جوزي الكفار بأفعالهم. أدلَّ هذا على أنه لا يجوز الاستهزاء، لا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولا بالدين، ولا بشيء من القرآن، ولا بشيء من أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولا يجوز الاستهزاء بالمسلمين أو بأفراد المسلمين، بل يجب احترام الدين، واحترام أهل الدين، وتوقيرهم وإجلالهم لأنهم عباد الله المؤمنون، لأنهم أعزة عند الله سبحانه وتعالى، قد أعزهم الله بالإسلام، فلا يجوز احتقارهم وتنقصهم، ولا يجوز الاستهزاء بهم والسخرية منهم، فإن ذلك يكون وبالا على صاحبه في الدنيا والآخرة، المستهْزئ هو الذي يكون ذليلاً في الدنيا والآخرة، أما المستهزأ به فإن هذا لا يضره ما دام أنه على حق، ما دام أنه على دين، فإنه لا يضره من استهزأ به، ومن سخر منه، فإن ذلك إنما يرجع وباله على فاعله، وعلى قائله. الحاصل أن الاستهزاء بدين الله عز وجل، تنقص الدين، أو تنقص شيءمن أوامر الدين أو من الطاعات، تنقص شيء من ذلك يعتبر ردة عن دين الإسلام، وكذلك تنقص رجال الدين، تنقص المسلمين المؤمنين، تنقص العلماء، تنقص أهل الخير، الاستهزاء بهم كله يدخل في هذا الباب الخطير، فيجب على المسلم أن يصون لسانه وأن يحترم دينه وأن يحترم علماء المسلمين، وأن يحترم رجال الدين، فيحترم كل مسلم يعيش على وجه الأرض يحترمهم ويحبهم في الله عز وجل، ويُجلهم وكذلك ومن باب أولى أن يحترم الدين، نفس الدين، وأوامر الدين، والسننوالواجبات، يحترم ذلك ويعظمه ويُجله، ولا يسخر بشيء منه، أو يتنقص شيئا من دين الله عز وجل، فإن فعل شيئا من ذلك فإنه يجب عليه التوبة إلى الله عز وجل، وإنقاذ نفسه من الخطر قبل أن تفوته الفرصة، ويغلق باب التوبة في وجههثم يكون من الخاسرين، فالأمر في هذا كثير، نسأل الله عز وجل أن يحمينا وإياكم من الوقوع في مثل هذه الأمور الخطيرة، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يملكون ألسنتهم، ويحبسونها عن الكلام فيما لا يجوز، فإن الكلام خطير جدا، الإنسان قد يتهاون بالكلام مع أن الكلام له آثار، إما آثار حسنة إن كان الكلام حسنا، وإما آثار سيئة إن كان الكلام سيئا، قال الله سبحانه وتعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (سورة ق:18)، الكلام يحصى على الإنسان إن كان خير زاده الله به رفعة، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (سورة فاطر:10)، وإن كان الكلام سيئا فإنه يرجع وباله، ويرجع شره على قائله، كما جاء في الحديث: (هل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال- على مناخرهمإلا حصائد ألسنتهم). ربما يتكلم الإنسان بكلمة واحدة تكون سبب في هلاكه وشقائه دائما وأبدا، كما قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد مما بينالمشرق والمغرب).
الكلمة الواحدة من سخط الله، إذا تكلم بها الإنسان حتى ولم يلقي لها بالا، ويظن أنها سهلة فإنه يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، فكيف بالكلمات الكثيرة، الأمر أشد، قال الله سبحانه وتعالى: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (سورة النور:15). الواجب علينا أن نحفظ ألسنتنا وأن لا نتكلم إلا بخير، قال صلى الله عليه سلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت)، الصمت خير من الكلام الباطل، الإنسان إذا صمت سلم، لكنه إذا تكلم بالباطل فإنه يهلك، فإذا أمسك لسانه سلم، الإنسان إما إن يتكلم بخير فيسعد، وإما أن يتكلم بشرٍ فيهلك، وإما أن يسكت فلا له ولا عليه. هذا ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح والاستقامة والسداد، وأن يرزقنا وإياكم التمسك بهذا الدين، وأن يرزقنا وإياكم نزاهة الألسن عن الكلام البذي، والكلام الفاحش، و الكلام الذي يرجع وباله على قائله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه