تعددت أساليب التناول والعرض، واختلفت أوجه القراءة والتحليل في قضية مقتل السائحتين الأجنبيتين، لكنها في المجمل، قراءات لم تخلص بعد إلى بناء فهم متوازن وسليم يتم من خلاله استيعاب دوافع هذا الإجرام وسياقاته، بعيدا عن دجنة المهاترات والمزايدات التي تستشرف من باحات الفكر المتطرف والفهم السطحي المتدينين وأهل الإستقامة الملتزمين، كما أنها لم تنفد إلى أصول هذه القضية بمسبار علمي يقوم على الموضوعية والشفافية والمصداقية. إن هذا المدخل لابد منه لبناء تصور شامل كامل حول الدواعي الحقيقية لهذه القضية الإجرامية وبواعثها. وحتى يطوى الحديث عن حدثاء العلم المتعالمين ممن لم يشبوا بعد عن طوق السطحية، ولم يحققوا الاتزان العقلي والاعتدال النفسي. إن محاولة بعض المتحولين عقديا والمنسلخين قيميا، والمصابين عقليا والمهزوزين نفسيا أن ينسبوا هذه الأفعال الإجرامية إلى دعاة الرسالة وحملة الأمانة، باتت مكشوفة للعيان ،فإن الفطر المستقيمة ترفضها، والعقول السليمة تنكرها، والتجربة العلمية تكذبها، كما أن الدراسات الغربية لا تؤيدها، والتاريخ لا يقرها. إن بروز مثل هذه الظواهر المخزية في مجتمعنا المسلم وفي بلدنا المغرب الحبيب لهو أمر محزن للغاية، مقلق حقا مستوجب حزما وعزما في مواجهة أسبابها واجتثاث دواعيها. ولكننا لا بد في غضون ذلك كله من الاعتراف الصريح بكوننا نسهم -ولو لم نشعر- في بروزها وإذكاء لهيبها! فإن الحامي -بعد الله- للشباب من هذا التردي المهول في درك الإجرامات والانحلالات هو العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة والمتلقى على أيدي العلماء الربانيين والدعاة الصادقين المخلصين. لكن أين سيتلقى الشباب التربية الصالحة؟ وقد أغلقت المساجد في وجهه، فلم يعد دورها يتعد الصلوات الخمس وبعض الدروس التي لا تقوم في وجه التحديات! ومتى سيتلقى الشباب هذه التربية؟ وعلى أيدي من؟ وقد غيب العلماء وأقصي الدعاة!! إننا لابد أن نعلم جميعا أن الدين هو السبيل الأقوم لإصلاح النفوس والمجتمعات، وبناء العقليات الصحيحة، وتعديل المزاج، وإطفاء ثورة مشاعر البغض والكراهية والحقد تجاه غير المسلمين! وأكثر الناس إسهاما في تأجيج نار الطائفية، وإذكاء لنعرة العصبية، وإثارة لكوامن النفس في الانتقام من المخالفين في الدين والعقيدة والثقافة، هم هؤلاء المعادون لشرع رب العالمين، المبدلون لسنة سيد المرسلين المحاربون لأولياء الله وأنصار دينه الصادون عن سبيله، ذلك أن النفوس مطبوعة على هذا الدين، قد أعطت عليه مواثيقها في عالم الذر، فالتضييق على الدين تضييق عليها وخروج بها من الاعتدال إلى التطرف، ومن الاتزان إلى الجموح!! فمتى قومي يعقلون!