نشر موقع "هوية بريس"، مقالا تحت عنوان: "لماذا تخلق المادة الموت ثم تخاف منه؟"، وأيضا جريدة السبيل المباركة، وقد رأيت أنه من الواجب إيراد تعليق عليه دفعا لما قد يقع من لبس بخصوص علاقة الموضوع بجريدة إسلامية بل سلفية (أدامها الله منبرا للعلم النافع). معظم ما نقله صاحب المنشور -بارك الله فيه ونفع به- فيما يتعلق من استشهادات الملاحدة إنما اعتمد في ذلك كمصدر كتاب مسيحي ينظر إلى الإلحاد من منظار مسيحي لا إسلامي، وهو "جواب المسيحية على الإلحاد" وعنوانه خير دليل على ما قلت. لذا كانت معظم الاعترافات لأولائك الملاحدة يصدق عليها قول القائل: "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، وهذه بعضها: – توماس باين صاحب كتاب"عصر العقل" يقول: "…أي رب ساعدني، يا يسوع المسيح أعني، كن معي، إنه الجحيم بعينه أن تتركني وحيدا"… – فولتير: "لقد هجرني الله والبشر وليس أمامي سوى الجحيم، يا سيدي، أيها المسيح، يا يسوع المسيح"…اه. استغاثة بالمسيح في آخر رمق، استغاثة بالإله كما هي إحدى عقائد أهل الضلال من النصارى.. إذا فهؤلاء الملاحدة ندموا على إلحادهم واعترفوا بألوهية المسيح في آخر حياتهم وندموا على إنكارهم للإله وهاؤهم يعترفون بوجوده ويستغيثون به لكن ولات حين مناص. لا ريب أن هذا مما يريد "ريتشارد وومبراند" صاحب الكتاب إيصاله إلى القراء. يقول ريتشارد: "حينما كنت بين جدران السجن.. كنت أسمع أنين البعض في لحظاتهم الأخيرة، وكنت أصغي إليهم في النهاية وهم يرددون(هو الله، الله موجود).. وأولائك وسط العذبات والاضطهادات في قلب السجون، إذ بالله يشرق عليهم بنور الإيمان…" اه. أي إيمان يقصد؟ إنه الإيمان بألوهية عيسى عليه السلام، إنه الكفر برب الأرض والسماء… "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ". وأي إله يقصد؟ إنه عيسى عليه السلام فهو الله الموجود عند أهل الضلال من النصارى المفترين على رب العالمين. فعيسى عليه السلام –في زعم رتشارد- هو الذي يشرق بنوره على المضطهدين في سجونهم بنور الإيمان ليكون لهم الخلاص وتحسن خاتمتهم معترفين بألوهيته ومقرين، ليس كأهل الإلحاد الذين لا يقرون بإله. ونحن كمسلمين لا ننظر إلى الإلحاد بمثل نظرة رتشارد المسيحي، لأننا نعتقد أن عيسى عليه السلام ليس له من الألوهية شيء وإنما هو عبد لله مخلوق مفطور كما قال تعالى:" إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"-آل عمران:59-. والاعتراف بهذه العبودية كان أول ما افتتح به عيسى عليه السلام كلامه في المهد: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) "-مريم-. لذا فعقيدتنا أنّ من مات ملحدا كمن مات مقرا بألوهية عيسى عليه السلام، كل هؤلاء مصيرهم الخلود في النار-عياذا بالله-: قال تعالى عن الكفرة بالبعث ( وهذا من عقائد أهل الإلحاد): "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)"-الجاثية-. وكان مصيرهم ما أخبر به العلي القدير جلّ عن الند والمثيل:" وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)"-الجاثية-. وقال تعالى عن المؤلهين للمسيح عليه السلام:" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)"-المائدة-. وقد أخبر الله تعالى عن مصير هؤلاء في عدة آيات منها قوله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) "-البينة-. فالمصير واحد وإن اختلفت العقائد، فلما الاستشهاد بشيء على شيء مع ضلال الشييئن واتحادهما في المصير والمآل؟ فحبذا لو تم الاقتصار في نقل أقوال أولائك الملاحدة على ما يدل على ندمهم وحسرتهم ومعاينتهم لسوء مآلهم دون ذكر ما يتعلق بتأليه عيسى عليه السلام أو غير ذلك مما لا نقر به كمسلمين بل نبرأ إلى الله منه وممن يعتقده. والله المستعان.