بمناسبة يوم عاشوراء وشهر الله المحرم الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يدعو الأمة الاسلامية قادة وشعوباً إلى وقف القتال ومراجعة النفس ويناشدهم بتشكيل مجلس حكماء للمصالحة الشاملة ليقوم بالواجب فوراً، ويدعو المسلمين إلى صيام عاشوراء وتاسوعاء، والعمل الصالح في هذا الشهر الحرام. فقد هل علينا شهر عظيم هو شهر الله المحرم، ويحل علينا يوم عظيم وهو يوم عاشوراء يوم انتصار المستضعفين المؤمنين على الطغاة المستبدين. لذلك ندعو أمتنا الاسلامية إلى ما يلي: أولاً: ننتهز فرصة حلول السنة الجديدة لدعوة أمتنا الإسلامية قادة وشعوباً وعلماء ومفكرين وسياسيين إلى مراجعة مع النفس أين وصلنا إليه نحن المسلمين من التفرق والتمزق والتخلف، وهذا يستدعى مراجعة شاملة لبيان أين الخلل؟ فهذا الشهر المحرم هو أحد الأشهر الأربعة التي حرم الله تعالى فيها القتال حتى مع غير المسلمين فقال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (التوبة: 36)، قال ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أي في كلهن، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم، وقال قتادة إن الظلم في الاشهر الحرام أكثر خطيئة ووزراً – من الظلم فيما سواها، وكل الظلم على كل حال عظيم. وتخصيص الإسلام أربعة أشهر لمنع القتال مطلقاً أكبر دليل على منح الفرصة للمصالحة خلال فترة وقف القتال الواجب بأمر الشرع في ذي القعدة وذي الحجة، والمحرم (ثلاثة أشهر متتاليات) ورجب. فإذا كان وقف القتال واجباً في هذه الأشهر حتى بين غير المسلمين ، فيكون وقفه بين المسلمين وداخل ديار المسلمين أوجب، وانتهاكه أعظم جرماً وذنباً، بل الواجب الدائم بين المسلمين تحقيق الأخوة الايمانية قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ ) (الحجرات:10) فالنصوص الشرعية جعلت وحدة المسلمين صفاً واحداً كالبنيان المرصوص فريضة شرعية وهي ضرورة حقيقية لبقائنا أمة محترمة، لأننا بدون الوحدة نصبح أمة فاشلة بنص القرآن فقال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الانفال: 46). وهذا يقتضى تشكيل مجلس للحكماء المخلصين للبدء بالمصالحة بين المسلمين فوراً. وأي عاقل ينظر في الخلافات العربية والخليجية وبين الدول الإسلامية يرى أنها خلافات مصنوعة لصالح غيرنا وبعضها خلافات موهومة لا أساس لها. لذلك نناشدكم الله أن تجتمعوا وتتصالحوا وتفكروا في المصالح العامة، إننا جميعاً مسؤولون أمام الله تعالى فقال تعالى(وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (الصافات:24). ثانياً : انتهاز هذا الشهر للعبادة والتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحات وبالصيام، فقد روى مسلم (1982) بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم). ثالثاً : إن في هذا الشهر يوماً وهو يوم عاشوراء وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه "يوم عظيم" في رواية مسلم، وفي رواية أحمد زيادة ثابتة أيضا (وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً ) ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه شكراً لله تعالى على نجاة أبينا الثاني سيدنا نوح (عليه السلام) ونجاة أحد أعظم الأنبياء من أولى العزم وهو سيدنا موسى وسيدنا هارون وقومه، حتى قال ابن عباس كما في صحيح البخاري (1867) ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء . وقد ذكرت كتب السنة والسيرة أنه لما قدم رسول الله مهاجراً إلى المدينةالمنورة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عن سبب صيامهم؟ قالوا: يوم أنجى الله فيه موسى ومن معه، وأغرق فرعون ومن معه، فصامه موسى (عليه السلام) شكراً لله تعالى، فنحن نصوم، فقال لهم النبي صلى الله عليه والسلام "فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" (1) وقالت عائشة رضى الله عنها) كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه (2). إن صوم يوم عاشوراء يكون شكراً لله تعالى وتأكيدا على أن الإسلام وارث ومكمل لجميع الأديان السماوية السابقة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء ووارثهم في العلم والبلاغ والدعوة، قال تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (آل عمران:68). وفق الله هذه الأمة لكل ما فيه الخير والرشاد والوحدة والمصالحة الشاملة والمحبة و والوئام وإصلاح ذات البين آمين (1) البخاري في صحيحه الحديث (2004) 3397، وأحمد في سنده (5/45)، ورواه (ابن ماجه، وقال الالبانى في صحح ابن ماجه (1419) حديث صحيح. (2) رواه البخاري في صحيحه الحديث 2002، 3831، 4504 ومسلم (1123).