يعد الزواج قضية مهمة ومصيرية عند الناس عموما، وهو لحظة فارقة في حياة الإنسان ونظرته إليها وشعوره شعور غريب نحوها. والإقبال على هذه اللحظة يستوجب استنفارا شاملا منذ التفكير إلى الإنجاز والإتمام إلى الاستمرار والدوام. وغالب ما يشغل بال المقبلين على الزواج هو ما بعد لحظة الزواج، فتكثر الأوهام والوساوس والاحتمالات، ويختلط الخوف بالأمل. لكن المصير مرتبط بالدوافع التي تحمل الناس على الزواج، والأسس التي بني عليها من البداية. ولذلك لو سألت الناس اليوم لأي شيء يتزوجون؟ وما الدوافع التي تحملهم على ذلك؟ تتباين الأجوبة وتختلط فيها الصائبة بالمغالطة بالخطأ. وغالبا ما تجده ارتبط في أكثر الأذهان بالعادات والتقاليد، وقل من تجده يضع الأصبع على الجواب الأساس والمهم في كل تلك الأجوبة الصائبة منها، ودع الخاطئة. ولذلك الذي ينبغ أن ينشر ويتداول ويغرس في النفوس ويركز في الأذهان عند الجميع أن الأساس في وجود الزواج وتشريعه والحامل الأهم الجوهري له هو تحقيق العبودية لله، وتحقيق الغاية التي من أجلها خلق الله بني آدم. فمن المعلوم أن الله تعالى أراد أن يخلق خلقا يعبدونه في الأرض إذ هو معبود في السماء. فخلق آدام مخلوقا واحد وهو الذي أراد أن يكون الخلق خلائف وأجيالا يخلف بعضها بعضا كما تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، ويفسر معنى الخليفة قوله تعالى (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض)، وليتحقق مراد الله اقتضت حكمته وإرادته أن يخلق من آدم أنثى، وهي حواء، وأن يركب فيهما غريزة الشهوة التي تجعل كلا منهما يميل إلى الآخر ليحصل بينهما شيء اسمه الزواج؛ كما قال تعالى (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها). فالزواج ليس اختراعا بشريا وإنما هو شيء أراده الله وجعل له سببا. ولا يتوقف الأمر عند الزواج بل لابد من التناسل والتوالد ولذلك ركب الدافعية في الزوجين وأودع فيهما الرغبة في الولد لتلبية حاجة فطرة الأبوة عند الرجل والأمومة عند المرأة. وكل ذلك من أجل أن يستمر النسل فتستمر عبادة الله التي من أجلها خلق الله الإنس كما في قوله عز وجل (وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون). الفهم العميق لحقيقة الزواج وأنه ما شرع إلا ليعبد الله يؤكده كون الأنبياء متزوجين، وتحريم الإسلام للتبتل وحثه على الزواج وربطه بقائمة طويلة من الأحكام؛ بدءا من الاختيار إلى الخطبة إلى العقد إلى الوليمة وإلى الدخلة إلى العلاقات الزوجية والرحمية والمصاهرة والولادة والحضانة وتحديد المسؤوليات، مرورا بالمقاصد الجزئية كغض البصر وحفظ الفرج… وغيرها من الأمور التي تجعل الزواج بدء واستمرارا وانتهاء عبودية خالصة لله فعلا ومغزى. وإذا كان الزواج بهذا القصد وهذا الالتزام الشرعي بضوابطه وشروطه كان سعادة وسكينة ومودة بين الزوجين وأجمل لحظات العمر والحياة. كما قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). لكن الواقع المتعلق بالزواج ومظاهره ومآلاته مرٌّ مؤسف غاية الأسف، بدء من المخالفات الشرعية؛ لا في المقاصد ولا في الحيثيات ولا في الأسس التي تبنى عليها مؤسسة الزواج التي تثمر نتائج كارثية؛ مشاكل وصراعات وطلاق وتشرد وتقطع الأرحام وفساد عريض كما أخبر بذلك الصادق المصدوق (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) صحيح الترمذي. حتى أضحى الزواج من أعز مطلوب إلى شر مستطير ومغامرة خطيرة، وصار الخوف من الزواج مرضا و(فوبيا) تعشش في عقول كثير من الشباب. تتداخل في ذلك عوامل أهمها الإعلام الفاسد والثقافة المنحلة التي تنشر في الأمة برعاية من أعداء الفطرة والبشرية، حتى يعزف الجميع عن الزواج الذي جعله المصرف الشرعي الوحيد للشهوة، فيكثر الزنا والفساد، وتنتشر الإباحية والشذوذ و"الأمهات العازبات"، وأطفال الشوارع والمتخلى عنهم، والتبني البئيس، وتغوص البشرية في قاع من الإباحية والمجون والتيه وقل ما شئت، ربما تمهيدا لخروج الدجال ليعبد من دون الله الذي شرع الزواج ليعبد وحده سبحانه.